ثم إن هذا الأمر عند الجمهور للندب، وحكى ابن بزيزه عن بعض أهل العلم: وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر قال: وأوجبه الظاهرية على كل فصل ثم في مطلق أمر المأموم بالتأمين أنه يؤمن ولو كان مشتغلًا بقراءة الفاتحة ويه قال أكثر الشافعية، ثم اختلفوا هل تنقطع بذلك الموالاة؟ على وجهين أصحهما لا تنقطع؛ لأنه مأمور بذلك لمصلحة الصلاة بخلاف الأمر الذي لا يتعلق بها كالحمد للعاطس. وقوله: فإنه من وافق زاد مسلم عن ابن شهاب فإن الملائكة تؤمن قبل قوله، فمن وافق، وكذا لابن عُيينة عن ابن شهاب كما يأتي في الدعوات وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان خلافًا لمن قال: المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع كابن حِبّان، فإنه لما ذكر الحديث قال: يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب، وكذا جنح إليه غيره فقال: نحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء، أو في الدعاء بالطاعة خاصة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين.
وقال ابن المنير: الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظًا، ثم إن ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم. واختاره ابن بزيزة، وقيل الحفظة منهم، وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا: إنهم غير الحفظة. والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض، أو في السماء وسيأتي في رواية الأعرج بعد باب: وقالت الملائكة في السماء: آمين، وفي رواية محمد بن عمرو الآتية أيضًا فوافق ذلك قول أهل السماء، ونحوها لسهيل عن أبيه عند مسلم وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء، فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد. ومثله لا يقال من جهة الرأي فالأولى المصير إليه وقوله: غفر له ما تقدم من ذنبه وقع في أمالي الجرجاني عن ابن وهب عن يونس في آخر هذا الحديث، وما تأخر وهي زيادة شاذة لرواية مسلم وابن الجارود للحديث عن ابن وهب بدونها، وفي بعض النسخ عن ابن ماجه عن ابن عُيينة إثباتها ولا يصح؛ لأن حفاظ أصحاب ابن عُيينة الحميدي وابن المديني وغيرهما قد رووه عنه بدونها، وظاهر قوله: غفر له غفران جميع الذنوب الماضية، وهو محمول عند العلماء على الصغائر، وقد مرّت مباحثه مستوفاة، ومباحث تلك الزيادة في باب قيام ليلة القدر من كتاب الإيمان، وفي باب الوضوء ثلاثًا عند حديث عثمان رضي الله تعالى عنه.
وقوله:"قال ابن شهاب" هو متصل إليه برواية مالك عنه وأخطأ مَنْ زعم أنه معلق ثم هو من مراسيل ابن شهاب وأخرجه الدارقطني في "الغرائب" موصولًا، وفي الحديث الرد على الإمامية في قولهم: إن التأمين يبطل الصلاة؛ لأنه ليس بلفظ قرآن ولا ذكر ويمكن أن يكون مستندهم ما نقل عن جعفر الصادق أن معى آمين أي: قاصدين إليك وبه تمسك من قال: إنه بالمد والتشديد، وقد مرّ هذا، وصرّح المتولي من الشافعية بأن مَنْ قاله هكذا بطلت صلاته، وقد مرّ ما قيل في ذلك في أول الباب. وفيه فضيلة الإِمام لأن تامين الإِمام يوافق تامين الملائكة ولهذا شرعت للمأموم موافقته