للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لشعبة، وهو بالمد، وفي اللغة هو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خَوْف ما يعاب به، وقد يُطلَقُ على مجرد ترك الشيء بسبب، والترك إنما هو من لوازمه. وفي الشرع خُلُق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ولهذا جاء في الحديث الآخر: "الحياءُ خيرٌ كلُّه".

وقال الرّاغب: الحياء انقباض النفس عن القبيح، وهو من خصائص الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي، فلا يكون كالبهيمة، وهو مركب من جُبْن وعِفَّة، فلذلك لا يكون المستَحي فاسقًا، وقَلَّما يكون الشجاع مستحيًا، وقد يكون لمطلق الانقباض كما في بعض الصبيان.

وقال غيره: هو انقباض النفس خَشْية ما يكره أعم من أن يكون شرعيًّا أو عقليًّا أو عرفيًّا، ومقابل الأول فاسق، والثاني مجنون، والثالث أبله، وقال الحَلِيميُّ: حقيقة الحياء خوف الذم بنسبة الشرِّ إليه، وقال غيره: إن كان في مُحَرَّم فهو واجبٌ، وفي مكروهٍ فهو مندوبٌ، وفي مباحٍ فهو العُرفيُّ، وهو المراد بقوله: "الحياء لا يأتي إلا بخير" ويجمع كل ذلك أن المباح إنما هو ما يقعُ على وِفْقِ الشرع إثباتًا ونفيًا. وحُكِي عن بعض السلف: رأيتُ المعاصي مَذَلَّةً، فتركتها مروءةً، فصارت ديانةً. وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه، فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته، وقد قال بعض السلف: خَفِ الله على قَدْرِ قُدْرَتِه عليك، واستحي منه على قدر قربه منك.

وإنما خصه هنا بالذكر لأنه كالداعي إلى باقي الشعب، لأنه يبعث على الخوف من فضيحة الدنيا والآخرة، فَيَأتَمِر ويَنْزَجِرُ، ومن تَأمَّل معنى الحياء، ونظر فيما أخرجه التِّرمِذيُّ من قوله عليه الصلاة والسلام: "اسْتَحيُوا من الله حقَّ الحَيَاءِ". قالوا: إنا لَنَسْتَحيي من الله يا رسول الله، والحمد لله. قال: "لَيْس ذلك، ولكن الاستحياءُ من الله حق الحياء أن يُحْفَظَ الرَّأسُ ومَا وَعَى، والبَطْن وما حَوَى، ويُذْكر الموتُ والبلا، ومن أراد الآخرة تَرَكَ زينة الدنيا، وآثَرَ الآخرةَ على الأولى، فمن يَعْمَل ذلك فقد استحيى من الله حقَّ الحياء، ورأى العجب العجاب" ومن مُنح الفضل

<<  <  ج: ص:  >  >>