الإلهي ورزق الطبع السليم ذاق معنى إفراد الحياء بالذكر بعد دخوله في الشعب، كأنه يقول هذه شعبة واحدة من شعبه، فهل تحصى وتعد شعبها؟ هيهات!
واعلم أنه لا يقال: إن الحياء من الغرائز، فكيف جُعِل شعبَةً من الإِيمان؟ لأنا نقول: إنه قد يكون غريزة، وقد يكون تَخَلُّقًا، ولكن استعماله على وِفق الشرْعِ يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية، فلهذا كان من الإِيمان، ولكونه باعثًا على فعل الطاعة وحاجزًا عن فعل المعصية، ولا يُقال: رُبَّ حياءٍ يمنع عن قول الحق، أو فعل الخير، لأنا نقول: إن ذلك ليس بحياء شرعيٍّ وإنما هو خَجَلٌ، وهو انقباض النفس عن الفعل مطلقًا.
وفي هذا الحديث دلالة على قبول الإِيمان الزيادة والنقصان، لأن معناه كما قال الخَطَّابي: إن الإِيمان الشرعيَّ اسم لمعنى ذي أجزاء، له أعلى وأدنى، والاسم يتعلق ببعض تلك الأجزاء، كما يتعلق بكلها.
وفيه أيضًا تشبيه الإِيمان بشجرة ذات أغصان وشعب، ومبناه على المجاز لأن الإِيمان كما مر في اللغة التصديق، وفي عرف الشَّرع تصديق القلب واللسان، وتمامه وكماله بالطاعات، فحينئذ الإِخبار عن الإِيمان بأنه بضع وستون يكون من إطلاق الأصل على الفَرع لأن الإِيمان هو الأصل، والأعمال فروعٌ منه، وإطلاق الإِيمان على الأعمال مجازٌ، لأنها تكون عن الإِيمان. وهذا مبنيٌّ على القول بقَبُول الإِيمان الزيادة والنقصان.
أما على القول بعدم قبوله لهما، فليست الأعمال داخلة في الإِيمان، واستدل لذلك بأن حقيقة الإِيمان التصديق، وبأنه قد وَرَدَ في الكتاب والسنة عطف الأعمال على الإِيمان، كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[البقرة: ٢٧٧] مع أن العطف يقتضي المغايرة، وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه، وقد ورد أيضًا جعلُ الإِيمان شرطًا لصحة الأعمال كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات