وفي حديث أبي بكر أنا أرحم الراحمين أَدخِلوا جنتي مَنْ كان لا يشرك بي شيئًا قال الطيبي: هذا يؤذن بأن كل ما قدر قبل ذلك بمقدار شعيرة، ثم حبَّة ثم خردلة، ثم ذرة غير الإيمان الذي يعبر به عن التصديق والإقرار بل هو ما يوجد في قلوب المؤمنين من ثمرة الإيمان, وهو على وجهين: أحدهما: ازدياد اليقين وطمأنينة النفس؛ لأن تضافر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لعدمه. والثاني: أن يراد العمل، وأن الإيمان يزيد وينقص بالعمل، وينصر هذا الوجه قوله في حديث أبي سعيد "لم يعملوا خيرًا". قال البيضاوي: وقوله: "ليس ذلك لك" أي: أنا أفعل ذلك تعظيمًا لاسمي وإجلالًا لتوحيدي، وهو مخصص لعموم حديث أبي هريرة المار في باب الحرص على الحديث من كتاب العلم "أسعد الناس بشفاعتي مَنْ قال: لا إله إلاَّ الله مخلصًا". قال: ويحتمل أن يجري على عمومه ويحمل على حال ومقام آخر. قال الطيبي: إذا فسرنا ما يختص بالله بالتصديق المجرد عن الثمرة وما يختص برسوله هو الإيمان مع الثمرة من ازياد اليقين، أو العمل الصالح، حصل الجمع. ويحتمل وجهًا آخر، وهو أن المراد بقوله: ليس ذلك لك مباشرة الإخراج لا أصل الشفاعة، وتكون هذه الشفاعة الأخيرة وقعت في إخراج المذكورين. فأجيب إلى أصل الإخراج ومنع من مباشرته فنسبت إلى شفاعته في حديث "أسعد الناس" لكونه ابتدأ بطلب ذلك.
وقد استوفى الكلام عليه في الباب المذكور آنفًا. وقوله:"فيعرفونهم بآثارِ السجودِ" وفي رواية إبراهيم بن سعد "فيعرفونهم في النار بأثر السجود". قال الزين بن المنير تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله تعالى:{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} لأن وجوههم لا تؤثر فيها النار فتبقى صفتها باقية. وقال غيره: بل يعرفونهم بالغرة والتحجيل، وفي هذا نظر؛ لأنها مختصة بهذه الأُمة، والذين يخرجون أكثر من ذلك. وقوله: وحرم الله على النار أن تأكل أثمر السجود، فكل ابن آدم تأكله النار إلاَّ أثر السجود هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره كيف يعرفون أثر السجود مع قوله في حديث أبي سعيد عند مسلم فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أذن الله بالشفاعة أي: فإذا صاروا فحمًا كيف يتميز محل السجود من غيره حتى يعرف أثره، وحاصل الحديث تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء التي دلّ عليها هذا الخبر، وأن الله منع النار أن تحرق أثر السجود من المؤمن. وهل المراد بأثر السجود نفس العضو الذي سجد أو المراد من سجد؟ في ذلك نظر، والثاني أظهر. قال عياض: فيه دليل على أن عذاب المؤمنين المذنبين مخالف لعذاب الكفار، وأنها لا تأتي على جميع أعضائهم إما إكرامًا لمواضع السجود وعظم مكانهم من الخضوع لله تعالى، أو لكرامة تلك الصورة التي خلق آدم والبشر عليها وفضلوا بها على سائر الخلائق.
قال في "الفتح" الأول: منصوص، والثاني: محتمل، لكن يشكل عليه أن الصورة لا تختص بالمؤمنين فلو كان الإكرام لأجلها لشاركهم الكفار، وليس كذلك. قال النووي: وظاهر الحديث أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة: وهي الجبهة، واليدان، والركبتان، والقدمان، التي ورد الحديث الآتي قريبًا بالسجود عليها، وبهذا جزم بعض العلماء، وقال عياض: ذكر الصورة