نهر بأفواه الجنة يقال له ماء الحياة، والأفواه جمع فوهة على غير قياس والمراد بها الأوائل، ومرّ في "الإيمان" عن أبي سعيد في نهر الحياة أو الحياء بالشك، وفي رواية أبي نضرة عند مسلم على نهر يقال له الحيوان أو الحياة، وفي أخرى له فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، وفي تسمية ذلك النهر به إشارة إلى أنهم لا يحصل لهم الفناء بعد ذلك. وقوله: فينبتون كما تنبت الحبة. وفي "الرقاق" نبات الحِبّة بكسر المهملة وتشديد الموحدة وقد مرّ في "كتاب الإيمان" أنها بذور الصحراء والجمع حِبَبَ بكسر المهملة وفتح الموحدة بعدها مثلها. وأما الحَبّة بفتح أوله وهو ما يزرعه الناس فجمعها حُبُوب بضمتين. وفي حديث أبي سعيد فينبتون في حافتيه، وفي رواية لمسلم كما تنبت الغُثاءةُ بضم الغين المعجمة بعدها مثلثة مفتوحة، وبعد الألف همزة ثم هاء تأنيث هو في الأصل كل ما حمله السيل من عيدان وورق وبذور وغيرها، والمراد به هنا ما حمله من البذور خاصة. وقوله في حَمِيل السيل بالحاء المفتوحة والميم المكسورة أي: ما يحمله السيل، وفي رواية يحيى بن عمارة إلى جانب السيل، والمراد أن الغُثاء الذي يجيء به السيل تكون فيه الحِبَّة فيقع في جانب الوادي، فتصبح من يومها نابتة، وفي رواية لمسلم في حمئة السيل بعد الميم همزة ثم هاء، وقد تشبع الميم فيصير بوزن عظيمة وهو ما تغير لونه من الطين؛ وخصّ بالذكر لأنه يقع فيه النبت غالبًا. قال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى سرعة نباتهم لأن الحِبَّة أسرع في النبات من غيرها، وفي السيل أسرع لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء مع ما خالطه من حرارة الزبل المجذوب معه. قال: ويستفاد منه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان عارفًا بجميع أمور الدنيا بتعليم الله تعالى له وإن لم يباشر ذلك.
وقال القرطبي: اقتصر المازري على أن موقع التشبيه السرعة، وبقي عليه نوع آخر دلّ عليه قوله في الطريق الأخرى إلا ترونها تكون في الحجر ما يكون منها إلى الشمس أصفر وأخضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض، وفيه تنبيه على أن ما يكون إلى الجهة التي تلي الجنة يسبق إليه البياض المستحسن، وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر النصوع عنه فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض ويستوي الحسن. والنور ونضارة النعمة عليهم. وقال: ويحتمل أن يشير بذلك إلى أن الذي يباشر الماء يعني الذي يرش عليهم يسرع نصوعه، وأن غيره يتأخر عنه النصوع لكنه يسرع إليه، وقد مرَّ الكلام على هذه الجملة في (باب تفاضل الإِيمان) من "كتاب الإِيمان". وقوله: ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولًا الجنة مقبلًا بوجهه قِبَل النار. وفي وصف هذا الرجل أنه كان نبّاشًا، وذلك في حديث حذيفة الآتي في أخبار بني إسرائيل أن رجلًا كان يسيء الظن بعمله فقال لأهله:"أحرقوني" الحديث، وفي آخره كان نباشًا. وفي حديث أبي بكر الصديق عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما ثم يقول الله:"انظروا هل بقيَ في النار أحدٌ عملَ خيرًا قط، فيجدونَ رجلًا، فيقولون له: هل عملتَ خيرًا قطُ؟ فيقول: لا، غير أني كنتُ أسامحُ الناسَ في البيعِ .. " الحديث، وفيه "ثمَّ يُخْرجون منَ النارِ رجلًا آخرَ فيقالُ لهُ: هلْ عملتَ خيرًا قطُ؟