فيقولُ: لا، غير أني أمرتُ ولدي إذا مِتُ فاحرقوني .. " الحديث. وجاء من وجه آخر أنه كان يسأل الله أن يجيره من النار، ولا يقول ادخلني الجنة، أخرجه الحسين المروزي في "زيادات الزهد" لابن المبارك عن عوف الأشجعي رفعه قد علمت آخر أهل الجنة دخولًا الجنة رجلٌ كانَ يسألُ الله أن يجيرَهُ مِن النارِ ولا يقول أدخلني الجنةَ فإذا دخلَ أهلُ الجنَّة الجنَّة، وأهلُ النارِ النارَ بقيَ بينَ ذلكَ، فيقولُ: يا ربِّ قرِّبني منْ باب الجنّةِ أَنظرُ إليها وأجدُ منْ ريحها، فيقرِّبهُ، فيرى الشجرة ... الحديث، وهو عند ابن أبي شيبة أيضًا، وهو يقوي التعدد لكن الإسناد ضعيف.
قال عياض: جاء هذا في آخر من يجوز على الصراط، وجاء في حديث ابن مسعود في "الرقاق": "إني لأَعلمُ آخرَ أهل النَّارِ خروجًا منها، وآخرَ أَهل الجنَّةِ دخولًا فيها"، فيحتمل أنهما اثنان: إما شخصان، وإما نوعان أو جنسان، وعبّر فيه بالواحد عن الجماعة لاشتراكهم في الحكم الذي كان سبب ذلك. ويحتمل أن يكون الخروج هنا بمعنى الورود، وهو الجواز على الصراط فيتحد المعنى إما في شخص واحد أكثر. وعند مسلم من رواية أنس عن ابن مسعود ما يقوي الاحتمال الثاني ولفظه "آخرُ مَنْ يدخل الجنَّةَ رجلٌ فهو يمشي مرةً ويكبو مرةً وتسفعهُ النارُ مرةً، فإذا جاوزَها التفتَ إليها فقال: تباركَ الذي نجاني منكِ". وعند الحاكم عن مسروق عن ابن مسعود ما يقتضي الجمع. وفي "نوادر الأُصول" للحكيم الترمِذِيّ عن أبي هريرة: "أنَّ أطولَ أهلَ النارِ مكثًا مَنْ يمكثُ سبعةَ الآفِ سنة" وسنده واهٍ، وأشار ابن أبي جمرة إلى المغايرة بين آخر مَنْ يخرج من النار وهو المذكور في حديث ابن مسعود الماضي وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة، وبين آخر مَنْ يخرج ممن يبقى مارًا على الصراط، فيكون التعبير بأنه خرج من النار بطريق المجاز؛ لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض مَنْ دخلها، وفي "غرائب مالك" للدارقطني عن عبد الملك بن الحكم وهو واهٍ عن مالك عن نافع عن ابن عمر رفعه أن آخر مَنْ يدخل الجنة رجل من جهينة يقال له جهينة، فيقول أهل الجنة عند جهينة الخبر اليقين، وحكى السهيلي أنه جاء أن اسمه هناد وجوّز غيره أن يكون أحد الاسمين لأحد المذكورين، والآخر للآخر.
وقوله: فيقول: "يا ربِّ اصرف وجهي عن النار، فقد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها". وفي رواية "الرقاق" تأخير فاصرف وجهي عن النار عن الجملتين، وقوله: فيقول: "يا ربِّ" في رواية إبراهيم بن سعد في التوحيد أي ربِّ، وقوله: "اصرفْ وجهي عن النار" استشكل وجهه إلى جهة النار، والحال أنه ممن يمرّ على الصراط طالبًا إلى الجنة، فوجهه إلى الجنة لكن في حديث أبي أُمامة أنه يتقلب على الصراط ظهرًا لبطن، فكأنه في تلك الحالة انتهى إلى آخره فصادف أن وجهه كان من قبل النار، ولم يقدر على صرفه عنها باختياره فسأل ربّه في ذلك.