للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقال: قَشَبه إذا سمَّه، ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة الطيبة منه غايته. وقال النووي: معنى قَشَبني سمّني، وآذاني وأهلكني، هكذا عند جماهير أهل اللغة. وقال الداودي: معناه غير جلدي وصورتي، والأحسن فيه ما قاله الخطابي، وما قاله الداودي تفسير باللازم، وهو كثير فيه قال ابن أبي جمرة: إذا فسّرنا القَشَب بالنتن والمستقذر، كانت فيه إشارة إلى طيب ريح الجنة، وهي من أعظم نعيمها وعكسها النار في جميع ذلك. قال ابن القطاع: قَشَب الشيء، خلطه بما يفسد من سم أو غيره، وقَشَب الإنسان، لطخه بسوء كاغتابه وأعابه، وأصله السم فاستعمل بمعنى أصابه المكروه إذا أهلكه أو أفسده، أو غيّره أو أزال عقله، أو تقذره هو، وقوله: وأحرقني ذكاؤها كذا للأصيلي وكريمة بالمد وفتح الذال وفي رواية أبي ذرٍّ ذكاها بالقصر، وهو الأشهر في اللغة.

قال ابن القطاع: يقال: ذكت النار تذكو ذَكَاً بالقصر وذُكوًّا بالضم وتشديد الواو أي: كثر لهبها واشتد اشتعالها ووهجها وأما ذكا الغلام ذَكَاء بالمد فمعناه أسرعت فطنته. قال النووي: المد والقصر لغتان ذكره جماعة فيها وتعقبه مغلطاي بأنه لمن يوجد عن أحد من أهل اللغة المصنفين فيها حكاية المد إلا عن أبي حنيفة الدينوري، وتعقبه عليه علي بن حمزة الأصبهاني فقال: إن الذكاء بالمد لم يأتِ عنهم في النار، وإنما جاء في "الفهم" وفي "مسلم": "فقد أحرقني ذَكَاؤُها" بالمد. قال ابن قرقول: والمعروف في شدة حرّ النار القصر إلا أن الدينوري ذكر فيه المد، وخطأه علي بن حمزة فقال: الذَكَاء بالمد تمام الشيء، ومنه ذكاء القلب. وقال صاحب "الأفعال": ذَكَا الغلام والعقل أسرع في الفطنة، وذَكَا الرجل ذكاءً من حدة فكره، وذَكَت النار ذكًا بالقصر توقدت، وقوله: "فَيُصْرَف وجهُهُ عن النارِ" أي: بضم أوله على البناء للمفعول، وفي رواية الباب "فَيَصْرِف اللهُ وجهَهُ". وفي رواية أنَس عن ابن مسعود عند مسلم.

وفي حديث أبى سعيد عند أحمد والبزار نحوه أنه يرفع له شجرة فيقول: "ربِّ أَدنُني من هذه الشجرةِ لأستظَلَّ بظلها، وأشربَ مِنْ مائِهَا، فيقولُ الله: لعلي إنْ أعطيتُكَ تسألْنِي غيرهَا، فيقولُ: لا يا ربِّ، ويعاهدُهُ أنْ لا يسألَ غيرَها، وربُّهُ يعذرُهُ لأنَّهُ يرى ما لا صبرَ عليه، ومنه أنّهُ يدنو منها، وأنّهُ ترْفَع له شجرةٌ أُخرى أحسنُ من الأُولى عند باب الجنةِ، ويقول في الثالثة: "ائذن لي في دخول الجنة". وكذا وقع في حديث أنس الآتي في "التوحيد" رفعه آخر من يخرج من النار ترفع له شجرة، ونحوه لمسلم عن أبي سعيد بلفظ: "أن أدنى أهلِ الجنّةِ منزلةً رجلٌ صرفَ اللهُ وجهَهُ عن النَّار قِبَلَ الجنَّةِ، ومَثُلَتْ لهُ شجرةٌ". ويجمع بأنه سقط من حديث أبي هريرة ذكر الشجرات كما سقطَ من حديث ابن مسعود ما ثبت في حديث الباب من طلب القرب من باب الجنة.

وقوله: "ثم قال: يا ربِّ قدَّمني عندَ باب الجنَّةِ". وفي رواية "الرقاق": "يا ربِّ قرِّبني إلى بابِ الجنَّةِ وقوله: "فيقولُ اللهُ: أليسَ قَدْ أعطيتَ العهدَ والميثاق"، وفي "الرقاق": "أليسَ قَدْ زعمت" وقوله: "فيقول: يا ربِّ لا أكونُ أشقى خلقك" وفي "الرقاق": "لا تجعلني أشقى خلقك" المراد "بالخلق" هنا مَنْ دخل الجنة، فهو لفظ عام أُريد به خاص، ومراده أنه يصير إذا استمر خارجًا عن

<<  <  ج: ص:  >  >>