الجنة أشقاهم، وكونه أشقاهم ظاهر لو استمر خارج الجنة وهم من داخلها.
قال الطيبي: معناه يا رب قد أعطيت العهد والميثاق، ولكن تفكرت رحمتك وكرمك فسألت، وللقابسي "لأكونن"، قال ابن التين: معناه لئن أبقيتني على هذه الحالة ولم تدخلني الجنة لأكونن، قال: والألف في رواية "لا أكون" زائدة، وقال الكرماني: معناه لا أكون كافرًا، وقوله:"لا أكون" لَفْظُهُ لَفْظُ الخبرِ ومعناه الطلب، ودلّ عليه قوله: لا تجعلني، ووجه كونه "أشقى" أن الذي يشاهد ما يشاهده ولا يصل إليه يصير أشد حسرة ممن لا يشاهده، وقوله:"خلقك" مخصوص بمن ليس من أهل النار، وقوله:"مما عسيت إنْ أعطيتَ ذلكَ أنْ لا تسألَ غيرَهُ" وفي رواية "التوحيد": "فهل عسيتَ إنْ فعلتُ بكَ أنْ تسألَني غيرَهُ"، وفي سين عسيت الفتح والكسر وجملة أن تسألني هي خبر عسى، والمعنى هل يتوقع منك سؤال شيء غير ذلك، وهو استفهام تقرير؛ لأن ذلك عادة بني آدم والترجي راجع إلى المخاطب لا إلى الرب، وهو من باب إرخاء العِنانِ إلى الخصم ليبعثه ذلك على التفكير في أمره والإنصاف من نفسه.
وقوله:"فيعطي ربَّهُ ما شاءَ من عهدٍ وميثاقٍ" يحتمل أن يكون فاعل شاء الرجل المذكور أو الله. قال ابن أبي جمرة: إنما بادر للحلف من غير استحلاف لما وقع له من قوة الفرح بقضاء حاجته، فوطّن نفسه على أن لا يطلب مزيدًا، وأكّده بالحلف، فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور، وفي رواية إبرهيم بن أسعد من الحَبْرة بفتح المهملة وسكون الموحدة، ولمسلم الخير بمعجمة وتحتانيّة بلا هاء والمراد أنه يرى ما فيها من خارجها إما لأن جدارها شفّاف فيرى باطنها من ظاهرها لما جاء في وصف الغرف، وإما أن المراد بالرؤية العلم الذي يحصل له من سطوع رائحتها الطيبة وأنوارها المضيئة لما كان يحصل له أذى لفح النار وهو خارجها، وقوله:"فيقول الله تعالى: ويحكَ يابنَ آدمَ ما أغيركَ" وفي رواية "الرقاق": "ويلكَ".
وقوله:"فيضحكُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ثمَّ يأذنُ لهُ في دخولِ الجنَّةِ". وفي "الرقاق": ولا يزال يدعو حتى يضحك فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها، وفي رواية ابن مسعود في "الرقاق" فيقول: أتسخرُ مني أو تضحكُ مني وأنتَ الملكُ فلقدْ رأيتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَحكَ حتى بدتْ نواجُذهُ". وفي رواية الأعمش: "أتسخرُ بي ولمْ يشكّ". وكذا لمسلم من رواية منصور، وله من رواية أنس عن ابن مسعود: "أتستهزىءُ بي وأنت ربُّ العالمين".
قال المازري: هذا مشكل وتفسير الضحك بالرضى لا يتأتى هنا, ولكن لمّا كانت عادة المستهزىء أن يضحك من الذي استهزأ به ذكر معه، وأما نسبة السخرية إلى الله تعالى فهي على سبيل المقابلة وإنْ لم يذكره في الجانب الآخر لفظًا، لكنه لمّا ذكر أنّه عاهد مرارًا وغدر حلّ فعله فعل المستهزىء، وظنّ أنّ في قول الله له ادخل الجنة وتردده إليها وظنه أنها ملأى نوعًا من السخرية به جزاء على فعله، فسمى الجزاء على السخرية سخرية، ونقل عياض عن بعضهم أن ألف أتسخر