للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في رؤية الشمس والقمر وزِيدَ في تقدير ذلك وتأكيده، وكل ذلك يدفع المجاز عنه.

واستدل به بعض السالبة ونحوهم على أن المنافقين وبعض أهل الكتاب يرون الله مع المؤمنين وهو غلط فاحش, لأن في سياق حديث أي سعيد أن المؤمنين يرونه سبحانه وتعالى بعد رفع رؤوسهم من السجود، وحينئذ يقولون: "أنت ربُّنا" ولا يقع ذلك للمنافقين ومن ذكر معهم. وأما الرؤية التي اشترك فيها الجميع قبل، فقد تقدم أنه صورة الملك أو غيره ولا مدخل أيضًا لبعض أهل الكتاب في ذلك؛ لأن في بقية الحديث أنهم يخرجون من المؤمنين ومن معهم ممن يظهر الإِيمان, ويقال لهم ما كنتم تعبدون وأنهم يتساقطون في النار، وكل ذلك قبل الأمر بالسجود وفيه أن جماعة من مذنبي هذه الأُمة يعذبون بالنار ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة خلافًا لمن نفى ذلك عن هذه الأُمة وتأول ما ورد بضروب متكلفة والنصوص الصريحة متظافرة متظاهرة بثبوت ذلك، وأن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى ساقه، وأنها لا تأكل أثر السجود وأنهم يموتون فيكون عذابهم فيها إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة سريعًا كالمسجونين بخلاف الكفار الذين لا يموتون أصلًا ليذوقوا العذاب ولا يحيون حياة يستريحون بها. على أن بعض أهل العلم أوّل ما وقع في حديث أبي سعيد من قوله: "يموتون فيها إماتة" بأنه ليس المراد أنه يحصل لهم الموت حقيقة، وإنما هو كناية عن غيبة إحساسهم وذلك للرفق بهم أو كنى عن النوم بالموت، وقد سمى الله النوم وفاة.

وفي حديث أبي هريرة أنهم إذا دخلوا النار ماتوا، فإذا أراد الله إخراجهم أمسهم ألم العذاب تلك الساعة. قلت: تأويل حديث أبي سعيد السابق بعيد لتأكيده بالمصدر التي يقصد التأكيد به لرفع المجاز، وفيه أيضًا ما طبع عليه الآدمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب فطلب أولًا أن يبعد من النار لتحصل له نسبة لطيفة بأهل الجنة، ثم طلب الدنو منهم وفي بعض طرقه طلب الدنو من شجرة بعد شجرة إلى أن طلب الدخول، ويؤخذ منه أن صفات الآدمي التي شرف بها على الحيوان تعود له كلها بعد بعثته كالفكر والعقل وغيرهما.

تنبيه: في روايات أبي هريرة التي هنا والتي في "الرقاق" والتي في "التوحيد" تقديم "فيضحك الله عَزَّ وَجَلَّ قبل الإذن له في دخول الجنّة" وفي رواية ابن مسعود المشار إليها سابقًا الآتية في "الرقاق" تقديم الإذن في دخول الجنّة ووجوده لها ملأى وقول الله تعالى: "لك مثلُ الدُّنيا وعشرة أمثالِها على قوله أتسخرُ مني أو تضحكُ مني وأنت المَلِكُ" فكيف يمكن الجمع بين هذه الروايات؟ لم أرَ مَنْ تعرض لهذا وَنبَّه عليه، والظاهر عندي أن يكون أحد الراويين قدم الضحك عن محله أو أخره، أو يكون الضحك وقع مرتين، وحذف كل واحد من الراويين أحد اللفظين في محل وأبقى واحدًا، أو يكونا متعددين صدر من أحدهما ما صدر قبل أن يأذن له في الدخول، وصدر من الآخر ما صدر بعد الإذن في الدخول، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>