للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمسلم عن أبي سعيد: "اعتكفَ العشرَ الأوسطَ مِنْ رمضانَ يلتمسُ ليلةَ القدرِ قبلَ أن تبانَ لهُ فلما انقضت أمر بالبناء فقوض، ثم أُبينت له أنها في العشرِ الأواخرِ فأمر بالبناءِ"، فأعيد.

وقوله: "إنَّ الذي تطلبُ أمامَكَ" هو بفتح الهمزة والميم أي: قدّامك. قال الطيبي: وصف الأول والأوسط بالمفرد والأخير بالجمع إشارة إلى تصوير ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين.

وقوله: "فقامَ خطيبًا صبيحةَ عشرينَ مِنْ رمضانَ" في رواية مالك الآتية في الاعتكاف حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، وظاهره يخالف رواية الباب ومقتضاه أن خطبته وقعت في أول اليوم الحادي والعشرين، وعلى هذا، يكون أول ليالي اعتكافه الأخير ليلة اثنتين وعشرين، وهو مغاير لقوله في آخر الحديث فأبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين فإنه ظاهر في أن الخطبة كانت في صبح اليوم العشرين. ووقوع المطر كان في ليلة إحدى وعشرين وهو الموافق لبقية الطرق وعلى هذا، فكان قوله في رواية مالك المذكورة وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها أي: من الصبح الذي قبلها، ويكون في إضافة الصبح إليها تجوز.

وقد أطال ابن دحية في تقرير أن الليلة تضاف لليوم الذي قبلها، ورد على من منع ذلك ولكن لم يوافق على ذلك، فقال ابن حزم: رواية حديث الباب مستقيمة ورواية مالك مشكلة وأشار إلى تأويلها بما تقدم، ويؤيده أن في رواية أبي سَلَمة في التراويح، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي ويستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه، وهذا في غاية الإيضاح.

وأفاد ابن عبد البرَّ أن الرواة عن مالك اختلفوا عنه في لفظ الحديث فقال بعد ذكر الحديث: هكذا رواه يحيى بن يحيى، ويحيى بن بكير والشافعي عن مالك يخرج في صبيحتها من اعتكافه، ورواه ابن القاسم وابن وهب والقعنبي وجماعة وقالوا: وهي الليلة التي يخرج فيها من اعتكافه. قال: وقد روى ابن وهب وابن عبد الحكم عن مالك فقال: مَنْ اعتكف أول الشهر أو وسطه فإنه يخرج إذا غابت الشمس من آخر يوم من اعتكافه، ومن اعتكف في آخر الشهر فلا ينصرف إلى بيته حتى يشهد العيد، قال ابن عبد البر: ولا خلاف في الأول وإنما الخلاف فيمن اعتكف العشر الأخير هل يخرج إذا غابت الشمس أو لا يخرج حتى يصبح؟ قال: وأظن أن الوهم دخل من وقت خروج المعتكف. وما قاله بعيد لما قرره هو من بيان محل الاختلاف، ووجه البلقيني رواية مالك فقال: إن معنى قوله حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين أي: حتى إذا كان المستقبل من الليالي ليلة إحدى وعشرين.

وقوله: "وهي الليلة التي يخرج" ضمير هي يعود على الليلة الماضية ويؤيد هذا قوله: "مَنْ كان اعتكفَ معي فليعتكفْ العشرَ الأواخرَ" لأنه لا يتم ذلك إلا بإدخال الليلة الأولى. وقوله: "فإنّي

<<  <  ج: ص:  >  >>