أُريتُ ليلَة القدرِ" أي: بضم أوله على البناء لغير معين، وهي من الرؤيا أي: أُعلمت بها أو من الرؤية أي: أبصرتها، وإنما أري علامتها وهو السجود في الماء والطين كما أشار إليه آخر الحديث بلفظ: "حتى رأيتُ أَثرَ الماءِ والطينِ على جبهةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تصديق رؤياه.
وقوله:"وإني نسيتُها" وفي رواية التراويح "ثم أُنسيتُها" أو نسيتها وفي هذه شك من الراوي هل أنساه غيره إياها أو نسيها هو في غير واسطة، وليس في رواية الباب شك ومنهم مَنْ ضبط نُسّيتها بضم أوله والتشديد فهي بمعنى أُنسيتها، والمراد أنه أنسي علم تعيينها في تلك السنة وسيأتي أن سبب نسيانها تلاحي رجلين.
وقوله:"وإنّي رأيتُ كأني أسجدُ في طينٍ وماءٍ" ورواية الكشميهنيّ أن أسجد. وفي قوله:"ومَنْ كان اعتكفَ مَع النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فليرجعْ" التفات. وقوله:"فجاءت قزعةٌ" بالتحريكِ أي: قطعة من سحاب رقيقة. وقوله:"فأُمطرنا" وفي رواية: "فمَطَرت" بفتحتين. وفي رواية:"فاستهلتِ السماءُ فأَمطرت". وفي رواية مالك:"فوكفَ المسجدُ" أي: قطر الماء من سقفه وكان على عريش أي: مثل العريش وإلا فالعريش هو نفس سقفه، والمراد أنه كان مظللًا بالجريد والخوص ولم يكن محكم البناء بحيث يكن من المطر الكثير.
وقوله:"حتى رأيتُ أثرَ الطين والماءِ على جبهةِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وأرنبته تصديق رؤياهُ". والأَرْنبة بفتح ثم سكون ثم حركتين طرف الأنف ويجمع على أرنب. وتصديق خبر مبتدأ محذوف أي: هو تصديق، وفي رواية مالك:"على جبهتهِ أثرُ الماءِ والطين". وفي رواية ابن أبي حازم في "التراويح": "انصرفَ من الصبحِ ووجهُهُ ممتلىءٌ طينًا وماءً".
وهذا يشعر بأن قوله أثر الماء والطين لم يرد به محض الأثر وهو ما بقي بعد إزالة العين، وفي الحديث ترك مسح جبهة المصلي والسجود على الحائل وحمله الجمهور على الخفيف من الأثر لكن يعكر عليه ما مرّ قريبًا ووجهه ممتلىء طينًا وماء، وأجاب النووي بأن الامتلاء المذكور لا يستلزم ستر جميع الجبهة، وفيه جواز السجود في الطين ولا حجة فيه لمن استدل به على جواز الاكتفاء بالأنف لأن في سياقه أنه سجد على جبهته وأرنبته فوضح أنه إنما قصد بالترجمة ما قدمناه. وهو دال على وجوب السجود عليهما, ولولا ذلك لصانهما عن لوث الطين، قاله الخطابي وفيه نظر ووجه النظر هو أن الفعل لا يدل على الوجوب، فلعله أخذ بالأكمل وأخذه من قوله:"صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي" معارض بأن المندوب في أفعال الصلاة أكثر من الواجب، فعارض الغالب ذلك الأصل قال البخاري: كان الحميدي شيخه يحتج بهذا الحديث يقول: لا يمسح الساجد جبهته من أثر الأرض فيستحب ترك الإِسراع إلى إزالة ما يصيب جبهة الساجد من غبار الأرض ونحوه وعند المالكية لا يندب ترك الإِسراع إلى الإِزالة، بل تندب إزالته لئلا يحصل منه أذى للعين وليس في الحديث ما يدل على طلب الترك؛ لأن قوله رأيت على جبهته أثر الطين فيه أن يكون رأى ذلك عند مجرد السلام