للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقع ذلك في رواية عمر المذكورة لكن من غير الطريق التي أخرجها مالك منه، ولم تصح هذه الزيادة. وقد ترجم البيهقي عليها من استحب أو أباح التسمية قبل التحية وهو وجه لبعض الشافعية وضعف. ويدل على عدم اعتبارها أنه ثبت في حديث أبي موسى المرفوع في التشهد وغيره: "فإذا قعد أحدُكُم فليكن أولَ قوله التحياتُ للهِ" الحديث رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة بسنده، وأخرجه مسلم عن عبد الرزاق بهذه الطريق.

وقد أنكر ابن مسعود وابن عباس وغيرهما على من زادها أخرجه البيهقي وغيره ثم إن هذا الاختلاف إنما هو في الأفضل، وكلام الشافعي المتقدم من قوله: وأخذت به غير مصنف لمن يأخذ بغيره مما صح يدل على ذلك، ونقل جماعة من العلماء الاتفاق على جواز التشهد بكل ما ثبت لكن كلام الطحاوي يشعر بأن بعض العلماء يقول بوجوب التشهد المروي عن عمر.

وعندنا معاشر المالكية في لفظه قولان: بالسنة، والندب. ويندب عند المالكية في كل تشهد أن يعقد الخنصر والبنصر والوسطى ويمد السبابة والإبهام جاعلًا أطراف أصابعه الثلاثة على طرف الكف وهذه صفة تسعة وعشرين، أو جاعلًا لها وسط الكف وهذه صفة ثلاث وعشرين، ويحرك السبابة دائمًا يمينًا وشمالًا إلى السلام أو القيام ناصبًا حرفًا إلي وجهه كالمدية وفائدة تحريكها أنها تذكره أحوال الصلاة، فلا يوقعه الشيطان في سهو وإنما اختصت السبابة بالإشارة دون غيرها؛ لأن عروقها متصلة بنياط القلب وإذا حركت انزعج القلب فينتبه لذلك. واستدلوا على تحريكها بما رواه أبو داود والنَّسائيّ والدارمي عن وائل بن حجر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وضعَ يَدُه اليسرى على فخذِهِ اليسرى وحدّ مرفقَهُ اليمنى على فخذِهِ اليمنى (أي جعله منفردًا عن فخذه) وقبضَ ثنتين مِنَ الأصابعِ والخنصرَ والبنصرَ، وحلقَ حلقةً أخذ إبهامها بإصبعِهِ الوسطى كالحلقةِ ثمَّ رفعَ إصَبعَهُ المُسَبَّحَةَ وَرأيتُهُ يحركُها"، فهذا نص في أصل التحريك.

واستدلوا على دوام التحريك بما رواه مالك في "الموطأ" ومسلم وأبو داود والنَّسائي عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "كان -صلى الله عليه وسلم- إذا جلسَ في الصلاةِ وضعَ كفَّهُ اليمنى على فخذِهِ، وقبضَ أصابعَهُ كلَّها وأشارَ بإصبعِهِ التي تلي الإِبهامَ، ووضعَ يَدهُ اليسرى على فخذِهِ اليسرى".

قال الباجي روى سفيان بن عيينة هذا الحديث عن مسلم بن أبي مريم وزاد فيه، وقال: "هي مَذَبَّةُ للشيطانِ لا يسهو أحدُكم ما دامَ يشيرُ بإصبعهِ" قال الباجي: ففيه أن معنى الإشارة رفع السهو وقمع الشيطان الذي يوسوس. قلت: هذا مأخوذ من لفظ المذبة وهي مشتقة من "الذَّبِّ" فهو يحركها دائمًا ذبًّا للشيطان لما مرّ مِن اتصالها بنياط القلب.

وأخرج ابن السكن في "صحاحه" عن ابن عمر أيضًا أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الإِشارةُ بالإِصبعِ أشدُّ على الشيطانِ من الحديدِ". وعنه أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "هي مذعرةٌ للشيطانِ". فعلم من هذه الأحاديث أن العلة في الإِشارة بالإصبع وتحريكها طرد الشيطان؛ فلهذا كان الأفضل

<<  <  ج: ص:  >  >>