للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث ابن عباس عند مسلم كما يأتي قريبًا عند ذكر لفظه ورجح أيضًا بثبوت الواو في الصلوات والطيبات؛ لأنها تقتضي المغايرة إلخ ما مرّ، ورجّح أيضًا بأنه ورد بصيغة الأمر بخلاف غير فإنه مجرد حكاية.

ولأحمد عن ابن مسعود: "أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- علَّمَهُ التشهدَ وأمرَهُ أن يعلِّمه الناسَ". ولم ينقل ذلك لغيره، ففيه دليل على مزيته. وذهب جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختياره، وذهب بعضهم كابن خزيمة إلى عدم الترجيح، واختار الشافعي لفظ حديث ابن عباس المخرج عند الجماعة إلا البخاري ولفظه: "كان رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يعلِّمُنا التشهدَ كما يعلِّمُنا السورةَ مِنَ القرآنِ، وكانَ يقولُ: التحيّاتُ المباركاتُ الصلواتُ الطيباتُ لله، السَّلامُ عليكَ أيها النَّبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ، أشهدُ أنَّ لا إِلهَ إلاَّ الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ". أي: بالإضافة إلى الاسم الظاهر وهو الذي رجحه الشيخان: النووي، والرافعي، وأن الإضافة للضمير لا تكفي لكن المختار أنه يجوز ورسوله لما ثبت في "مسلم" ورواه البخاري هنا، وإنما اختاره الشافعي لزيادة لفظ "المباركات" فيه وهي موافقة لقوله تعالى: {تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} وأجيب بأن الزيادة مختلف فيها. وحديث ابن مسعود متفق عليه، وقال الشافعي: رويت أحاديث في التشهد مختلفة وكان هذا أحب إليّ؛ لأنه أكملها. وقال في موضع آخر وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس: لما رأيتُه واسعًا وسمعته عن ابن عباس صحيحًا كان عندي أجمع وأكثر لفظًا من غيره، وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح. قال الشافعي: هو فرض لكن لو لم يزد رجل على قوله: "التحيات لله سلام عليك أيها النبي" إلخ كرهت ذلك له ولم أرَ عليه إعادة. هذا لفظه في "الأم".

وقال صاحب "الروضة" تبعًا لأصله: وأما أقل التشهد فقال الشافعي: وأكثر الأصحاب أنه فذكره لكنه قال: "وأن محمدًا رسول الله" قال ونقله ابن كج والصيدلاني فقالا وأشهد أن محمدًا رسول الله لكن اسقطا وبركاته وقد استشكل جواز حذف الصلوات مع ثبوتها في جميع الروايات الصحيحة, وكذلك "الطيبات" مع جزم جماعة من الشافعية بأن المقتصر عليه هو الثابت في جميع الروايات، ومنهم من وجه الحذف بكونهما صفتين كما هو الظاهر من سياق ابن عباس، لكن يعكر على هذا ما تقدم من البحث في ثبوت العطف فيهما في سياق غيره وهو يقتضي المغايرة. واختار مالك وأصحابه لفظ التشهد المروي عن عمر بن الخطاب أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مصنفهما عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب يعلَّم الناس التشهد على المنبر وهو يقول: "التحيّاتُ للهِ الزّاكياتُ للهِ الطيّباتُ للهِ الصلواتُ للهِ السَّلامُ عليك أَيُّها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، السَّلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين أشهدُ أنَّ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ". وإنما اختاره مالك لكونه علّمه للناس وهو على المنبر ولم ينكروه، فيكون إجماعًا وتعقب بأنه موقوف فلا يلحق بالمرفوع وأُجيب بأن ابن مردويه رواه في كتاب "التشهد" مرفوعًا، وصححه الحاكم مع كونه موقوفًا. وجاءت عن الشافعي زيادة "باسم الله" في أول التشهد

<<  <  ج: ص:  >  >>