للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بلفظ من أهل السماء والأرض أخرجه الإسماعيلي وغيره. قلت: استنبط الفقهاء من هذا أن من قال لعبد صالح فلان يسلم عليك من غير أن يأمره المسلم بذلك لا يكون كاذبًا فيما قال؛ لشمول اللفظ له، وقد رأيت في بعض كتب المالكية أن التشهد كان وقوعه ليلة الإسراء فإن النبي عليه الصلاة والسلام عند مفاتحة التكليم تفكر فيما يحيى به الله جل جلاله لكونه داخلًا في حضرة القدس، فألهمه الله تعالى التحيات لله إلخ، ثم حيّاه الله تعالى بقوله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فتذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته فقال السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين جامعًا مع أُمته كل عبد لله صالح، فلما سمعت الملائكة هذه المراجعة قالت: أشهد أن لا إله إلا الله إلخ لما رأوا من تعظيم الله تعالى لنبيّه وثبات جنان نبيّه عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف العظيم حيث تذكر أمته ولم يذهل عنهم. وهذا المعنى في غاية الحسن إلاَّ أنني لم أقف على سنده، وهو لا يكون من جهة الرأي.

وقوله: "أشهد أن لا إله إلاّ الله" زاد ابن أبي شيبة عن أبي عبيدة عن أبيه وجده: "لا شريكَ له" وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في "الموطأ" وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني إلا أن سنده ضعيف. وقد روى أبو داود من وجه آخر صحيح عن ابن عمر في التشهد: "أشهد أن لا إله إلاَّ الله"، قال ابن عمر: زدت فيها: "وحده لا شريك له"، وهذا ظاهره الوقف.

وقوله: "وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" لم تختلف الطرق عن ابن مسعود في ذلك، وكذا هو في حديث أبي موسى وابن عمر وعائشة المذكور وجابر وابن الزبير عند الطحاوي وغيره. وروى عبد الرزاق عن عطاء قال: "بينا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يعلمُ التشهدَ إذ قال رجل: وأشهد أن محمدًا رسولُهُ وعبدُه، فقال عليه الصلاة والسلام: "لقد كنتُ عبدًا قبلَ أن أكونَ رسولًا، قُلْ عبدُهُ ورسولُهُ"، ورجاله ثقات إلا أنه مرسل. وفي حديث ابن عباس عند مسلم وأصحاب السنن: "وأشهد أن محمدًا رسول الله" ومنهم مَنْ حذف وأشهد، ورواه ابن ماجه بلفظ ابن مسعود.

قال التِّرمِذِيّ: حديث ابن مسعود عنه من غير وجه وهو أصح حديث روي في التشهد والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة، ومن بعدهم وأخذ به أبو حنيفة وأحمد من الأئمة، ولما سُئل البزار عن أصح حديث في التشهد قال: هو عندي حديث ابن مسعود روي من نيف وعشرين طريقًا، ثم سرد أكثرها وقال: لا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيدًا. ولا أشهر رجالًا. ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك وممن جزم بذلك البغوي في "شرح السنة"، ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره، وأن الرواة عنه من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره، وأنه تلقاه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلقيًا كما مرّ عن الطحاوي وعن أبي معمر وروى ابن أبي شيبة عن أبي وائل عنه قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلِّمُنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآنِ، وقدْ وافقَهُ على هذا اللفظِ أبو سعيدٍ الخدري، وساقَهُ بلفظِ ابن مسعودٍ" أخرجه الطحاوي لكن هذا الأخير ثبت مثله في

<<  <  ج: ص:  >  >>