فذكره قال، فقال ابن عباس:"إنما كنا نقول السلام عليك أيها النبي إذا كان حيًا". فقال ابن مسعود: هكذا علّمنا، وهكذا نعلّم. فظاهره أن ابن عباس قاله بحثًا وأن ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصح؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه والإسناد إليه ضعيف. فإن قيل: لم عدل عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوءة مع أن الوصف بالرسالة أعم في حق البشر؟ أجاب بعضهم بأن الحكمة في ذلك أن يجمع له الوصفين لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوءة لكن التصريح بهما أبلغ. قيل: والحكمة في تقديم الوصف للنبوءة أنها كذلك وجدت في الخارج لنزول قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} قبل قوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ}.
وقوله:"ورحمة الله" أي: إحسانه، "وبركاته" أي: زيادته من كل خير. وقوله:"السلام علينا" استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء، وفي "الترمذيّ" مصححًا من حديث أُبي بن كعب: "أنّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ذكرَ أحدًا فدعا لهُ بدأ بنفسهِ". وأصله في "مسلم"، ومنه قول نوح وإبراهيم عليهما السلام كما في التنزيل.
وقوله:"وعلى عباد الله الصالحين" الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته قال الترمذِيّ الحكيم: مَنْ أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة، فليكن عبدًا صالحًا وإلا حُرم هذا الفضل العظيم. وقال الفاكهاني: ينبغي للمصلي أن يستحضر في هذا المحل جميع الأنبياء والملائكة والمؤمنين ليتوافق لفظه مع قصده.
وقوله:"فإنكم إذا قلتموها" أي كلمة: "وعلى عباد الله الصالحين" وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وقوله: "أشهد أن لا إله إلاَّ الله" إلخ، وإنما قدمت للاهتمام بها لكونه أنكر عدّ الملائكة واحدًا واحدًا، ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك فعلَّمهم لفظًا يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين والمرسلين والصدّيقين وغيرهم بغير مشقة، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها -صلى الله عليه وسلم- وإلى ذلك الإِشارة يقول ابن مسعود:"وأن محمدًا عُلِّم فواتح الخير وخواتمه" كما تقدم. وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متواليًا وتأخير الكلام المذكور بعد، وهو من تصرف الرواة وسيأتي في أواخر الصلاة.
وقوله:"أصابت كل عبد لله صالح" استدل به على الجمع المضاف، والجمع المحلى بالألف واللام يعمّ لقوله أولًا عباد الله الصالحين، ثم قال: أصابت كل عبدٍ صالح، واستدل به على أن للعموم صيغة. قال ابن دقيق العيد: وهو مقطوع به عندنا في لسان العرب وتصرفات ألفاظ الكتاب والسنة والاستدلال بهذا فرد من أفراد لا تحصى لا للاقتصار عليه قوله: "في السماء والأرض" في رواية مسدد عن يحيى أو بين السماء والأرض، والشك فيه من مسدد وإلا فقد رواه غيره عن يحيى