للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطيبي: أصل سلام عليك سلمت سلامًا عليك ثم حذف الفعل وأقيم المصدر مقامه، وعدل عن النصب إلى الرفع على الابتداء للدلالة على ثبوت المعنى واستقراره، ثم التعريف إما للعهد التقديري أي ذلك السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي، وكذلك السلام الذي وجه إلى الأُمم السالفة علينا وعلى إخواننا. وأما للجنس والمعنى أن حقيقة السلام الذي يعرفه كل واحد وعمن يصدر وعلى مَنْ ينزل عليك وعلينا ويجوز أن يكون للعهد الخارجي إشارة إلى قوله تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} قال: ولا شك أن هذه التقادير أولى من تقدير النكرة، وحكى عن أبي حامد أن التنكير فيه للتعظيم وهو وجه من وجوه الترجيح لا يقصر عن الوجوه المتقدمة. وقال البيضاوي: علمهم أن يفردوه -صلى الله عليه وسلم- بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصصوا أنفسهم أولًا؛ لأن الاهتمام بها أهم ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلامًا منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملًا لهم. وقال التوربشتي: السلام بمعنى السلامة كالمقام والمقامة، والسلام من أسماء الله تعالى وضع المصدر موضع الاسم مبالغة، والمعنى سالم من كل عيب وآفة ونقص وفساد. ومعنى قولنا: السلام عليك كأنه تبرك عليه باسم الله تعالى فإن قيل كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيًا عنه في الصلاة؟ فالجواب أن ذلك من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأَن يقول السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي، ثم إلى تحية النفس، ثم إلى الصالحين. أجاب الطيبي بما محصله نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة ويحتمل أن يقال على طريق أهل العرفان أن المصلين لما استفتحوا باب الملكوت بالتحيات أذن لهم بالدخول في حريم الحي الذي لا يموت، فقرت أعينهم بالمناجاة فنبهوا على أن ذلك بواسطة نبي الرحمة وبركة متابعته فالتفتوا فإذا الحبيب في حرم الحبيب حاضر، فأقبلوا عليه قائلين السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه -صلى الله عليه وسلم- فيقال بلفظ الخطاب وما بعده، فيقال بلفظ الغيبة ففي "الاستئذان" عند المصنف عن أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال: وهو بين ظهرانينا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي. وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ: "فلما قبض قلنا السلام على النبي" بحذف لفظ يعني، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم. قال السبكي: إن صحت رواية أبي عوانة عن الصحابة دلّت على أن الخطاب في السلام بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- غير واجب فيقال: السلام على النبي. قال في "الفتح": الرواية صحيحة ولها متابع قوي، أخرجه عبد الرزاق عن عطاء أن الصحابة كانوا يقولون: والنبي -صلى الله عليه وسلم- حي السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي. وهذا إسناد صحيح. وأما ما روى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمهم التشهد

<<  <  ج: ص:  >  >>