تخصه؛ فلهذا جمعت فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مستحقة لله. وقال الخطابي ثم البغوي: ولم يكن في تحياتهم شيء يصلح للثناء على الله؛ فلهذا أبهمت ألفاظها واستعمل منها معنى التعظيم، فقال:"قولوا التحيات لله" أي: أنواع التعظيم له. وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركًا بين المعاني المقدم ذكرها وكونها بمعنى السلام أنسب.
وقوله:"والصلوات" قيل المراد الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة. وقيل المراد العبادات كلها، وقيل الدعوات وقيل المراد الرحمة. وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية. و"الطيبات" الصدقات المالية.
وقوله:"والطيبات" أي: ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به. وقيل الطيبات ذكر الله وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء. وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم، قال ابن دقيق العيد: إذا حمل التحية على السلام فيكون التقدير التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله، وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به، وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة، وإذا حملت الصلاة على الجنس أو العهد كان التقدير أنها لله واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره، وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله لله أنه المتفضل بها؛ لأن بها الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء، وإذا حملت على الدعاء فظاهر.
وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال، ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأقوال والأفعال والأوصاف وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب. وقال القرطبي: قوله: "لله" فيه تنبيه على الإِخلاص في العبادة أي أن ذلك لا يفعل إلا الله، ويحتمل أن يراد به الاعتراف بأنه ملك الملوك وغير ذلك مما ذكر كله في الحقيقة لله تعالى. وقال البيضاوي: ويحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفا على التحيات، ويحتمل أن يكون الصلوات مبتدأ وخبره محذوف والطيبات معطوفة عليها والواو الأولى لعطف الجملة على الجملة، والثانية لعطف المفرد على الجملة. وقال ابن مالك: إذا جعلت التحيات مبتدأ ولم تكن صفة لموصوف محذوف، كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعطف نعت على منعوته، فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض، وكل جملة مستقلة بفائدتها وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو؛ لأن الواو تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، فتكون كل جملة ثناء مستقلًا بخلاف ما إذا حذفت فإنها تكون صفة لما قبلها، وتعدد الثناء صريح في الأول فيكون أولى. ولو قيل إن الواو مقدرة في الثاني.
وقوله:"السلام عليك أيها النبي" قال النووي: يجوز فيه وفيما بعده حذف اللام وإثباتها والإِثبات أفضل وهو الموجود في روايات "الصحيحين". قال في "الفتح": لم يقع في شيء من طريق حديث ابن مسعود حذف اللام وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم.