الحديث ما يقتضيه، فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة والحاكم بإسناد صحيح عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو لنفسه بعد، قلت: ليس فيما ذكر دلالة على وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فالحديث إنما يدل على مطلق الطلب، ومن لم يوجبها من العلماء تطلب عنده.
فعند المالكية فيها قولان: هل تسن، أو تندب؟ وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض المالكية، فقد ذكر ابن الحاجب الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في سنن الصلاة ثم قال على الصحيح فقال شارحه ابن عبد السلام يريد أن في وجوبها قولين، وهو ظاهر كلام ابن المواز منهم. وقال إسحاق بن راهويه بالوجوب أيضًا، لكن قال: إن تركها ناسيًا رجوت أن يجزئه. فقيل: إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطًا وألزم بعض الشافعية من قال من الحنفية بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر كالطحاوي. ونقله السروجي في "شرح الهداية" عن أصحاب "المحيط" و"العقد" و"التحفة" و"المغيث" من كتبهم أن يقولوا بوجوبها في التشهد لتقدم ذكره في آخر التشهد، لكن لهم أن يلتزموا ذلك لكن لا يجعلونه شرطًا في صحة الصلاة، ومنهم من قيد تفرد الشافعي بكونه عيّنها بعد التشهد لا قبله ولا فيه حتى لو صلَّى على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أثناء التشهد لم يجزىء عنده. فقد روى الطحاوي أن حرملة انفرد عن الشافعي بإيجاب ذلك بعد التشهد وقبل سلام التحلل. قال: لكن أصحابه قبلوا ذلك وانتصروا له وناظروا عليه. واستدل له ابن خزيمة ومن معه بما أخرجه أبو داود والنَّسائيُّ والتِّرمِذِيّ وصححه، وكذا ابن خزيمة وابن حِبّان والحاكم عن فضالة بن عبيد قال:"سمعَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رجلًا يدعو في صلاتهِ لمْ يحمدِ اللهَ، ولم يصلِّ على النَّبيِّ فقال: عجل هذا ثم دعاه، فقال: إذا صلَّى أحدُكُم فليبدأ بتحميد ربِّهِ والثناءِ عليه، ثم يصلي على النَّبيِّ ثم يدعو بما شاء". وهذا يدل على أن قول ابن مسعود المار قريبًا مرفوع، فإنه بلفظه وقد طعن ابن عبد البر في الاستدلال بحديث فضالة للوجوب فقال: لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة كما أمر المسيء صلاته، وكذا أشار إليه ابن حزم وأجيب باحتمال أن يكون الوجوب وقع عند فراغه، ويكفي التمسك بالأمر في دعوى الوجوب.
وقال الجرجاني من الحنفية: لو كانت فرضًا للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه علمهم التشهد، وقال:"فليتخيرْ من الدعاءِ ما شاءَ" ولم يذكر الصلاة عليه، وأجيب باحتمال أن لا تكون فرضت حينئذ. وقال البلقيني في "شرح الترمذي" قد ورد هذا في "الصحيح" بلفظ: "ثم ليتخيرْ" وثم للتراخي فدل على أنه كان هناك شيء بين الدعاء والتشهد، واستدل بعضهم بما وقع من الزيادة عن ابن مسعود فيما أخرجه أصحاب "السنن" وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم عن محمد بن إسحاق بلفظ: "فكيفَ نصلي عليكَ إذا نحنُ صلَّينا عليكَ في صلاتنا؟ " وقال الدارقطني: إسناده حسن متصل. وقال البيهقي: إسناده حسن صحيح، وتعقبه ابن التركماني بأنه قد قال الحفاظ: يتوقون ما ينفرد به ابن إسحاق وهذه الزيادة قد تفرد بها, لكن قال في "الفتح": ما ينفرد به وإن لم