يبلغ درجة الصحيح فهو في درجة الحسن إذا صرّح بالتحديث وهو هنا كذلك، وإنما يصححه من لا يفرق بين الصحيح والحسن ويجعل كلما يصلح للحجة صحيحًا.
وهذه طريقة ابن حِبّان ومن ذكر معه واستدلال ابن خزيمة والبيهقي بهذه الزيادة على إيجاب الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في التشهد بعد التشهد وقبل السلام متعقب بأنه لا دلالة فيه على ذلك، بل إنما يفيد إيجاب الإتيان بهذه الألفاظ على مَنْ صلّى على النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- في التشهد وعلى تقدير أن يدل على إيجاب أصل الصلاة، فلا يدل على هذا المحل المخصوص. قلت: هذه الزيادة ليس فيها شيء يدل على أصل الوجوب، بل غاية ما فيها أنها تدل على طلب الصلاة عليه -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة. قال في "الفتح": وقرب البيهقي ذلك بأن الآية أي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} لما نزلت.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد علمهم كيفية السلام عليه في التشهد، والتشهد داخل الصلاة فسألوا عن كيفية الصلاة فعلّمهم دل على أن المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم تعليمه لهم. وأما احتمال أن يكون ذلك خارج الصلاة كما قال عياض وغيره فهو بعيد.
قلت: لم يظهر لي وجه بعده فإن اللفظ محتمل للأمرين على حد السواء. وقرر بعضهم الاستدلال بأن الصلاة عليه واجبة بالإِجماع وليست الصلاة عليه خارج الصلاة واجبة بالإِجماع فتعين أن تجب في الصلاة. وهذا ضعيف جدًا؛ لأن قوله لا تجب في غير الصلاة بالإجماع إن أراد به عينًا، فهو صحيح لكن لا يفيد المطلوب؛ لأنه يفيد أن تجب في أحد الموضعين لا بعينه، والذي قاله الشافعي في "الأُم": فرض الله الصلاة على رسوله بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولى منه في الصلاة.
قال: ووجدنا الدلالة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة أنه قال:"يا رسولَ اللهِ كيفَ نُصلِّي عليكَ -يعني في الصلاة- قال: تقولون: اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ" الحديث. وفي حديث كعب بن عجرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول في الصلاة:"اللَّهُمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمد كما صليتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ" الحديث. قال: فلما روى أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمهم التشهد في الصلاة، وروي عنه أنه علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يَجُزْ أن نقول التشهد في الصلاة واجب، والصلاة عليه فيه غير واجبة. وقد تعقب بعض المخالفين هذا الاستدلال من أوجه: أحدها: ضعف إبراهيم بن أبي يحيى الراوي عنه الحديثين. الثاني: على تقدير صحته فقوله في الأول يعني في الصلاة لم يصرح بقائل يعني فهو مجهول. الثالث: قوله في الثاني إنه كان يقول في الصلاة وإن كان ظاهره أن الصلاة المكتوبة، لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله في الصلاة أي في صفة الصلاة عليه وهو احتمال قوي؛ لأن أكثر الطرق عن كعب بن