لكن المسموع الرفع. قال البيضاوي في آية:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ} أي: غير الله وصف بإلا لما تعذر الاستثناء لعدم شمول ما قبلها لما بعدها، ودلالة على ملازمة الفساد لكون الآلهة فيهما دونه، والمراد ملازمته لكونها مطلقًا أو معه حملًا لها على غير كما استثنى بغير حملًا لها عليها. ولا يجوز الرفع على البدل لأنه متفرغ على الاستثناء ومشروط بأن يكون في كلام غير موجب، ثم اعلم أنه لا خلاف أن في قولك قام القوم إلا زيدًا مخرجًا ومخرجًا منه، وأن المخرج ما بعد (إلا) والمخرج منه ما قبلها, ولكن قبل (إلا) شيئان: القيام، والحكم به. والقاعدة أن ما خرج من نقيض دخل في النقيض الآخر، واختلفوا هل زيد مخرج من القيام أو من الحكم به، والذي عليه محققو النحاة والفقهاء أنه مخرج من القيام فيدخل في عدم القيام، فهو غير قائم. وقيل هو مخرج من الحكم بالقيام فيدخل في عدم الحكم، فهو غير محكوم عليه وهو قول قوم من الكوفيين ووافقهم الحنفية. فعند غير الحنفية أن الاستثناء من النفي إثبات ومن الإِثبات نفي، وعندهم أن المستثنى غير محكوم عليه بشيء، ومن حجج الجمهور الاتفاق على حصول التوحيد بقول (لا إله إلاَّ الله) وذلك إنما يتمشى على القول بأن المستثنى محكوم عليه لا على قولهم إنه مسكوت عنه.
واحتج الحنفية بحديث:"لا نكاحَ إلاَّ بولي، ولا صلاةَ إلا بطهورٍ"، فإنه لا يجب تحقق الصلاة عند الطهور لتوقفه على شرائط أخر. وأورد عليه أنه على هذا التقدير لا تكون كلمة التوحيد توحيدًا تامًا؛ لأنه يكون المراد منها نفي الألوهية عن غير الله تعالى، ولا يلزم منه إثبات الألوهية له تعالى، وهذا ليس بتوحيد. وأجابوا عن هذا بما مرّ من أن إثبات الإله كان متفقًا عليه إلخ. وقد مرّ بعض مباحث (لا إله إلاّ الله) في أول كتاب "الإِيمان" عند حديث: "بُنيَ الإِسلامُ على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إِلهَ إِلاّ اللهُ".
وقوله:"وحده" منصوب على الحال أي: (لا إلَه منفردًا). وقوله:"لا شريك له" تأكيد لقوله وحده؛ لأن المتصف بالوحدانية لا شريك له، وكونه لا شريك له ثابت عقلًا ونقلًا: أما عقلًا فلأن وجود إلهين محال إذ لو فرضنا وجودهما لكان كل واحد منهما قادرًا على كل المقدورات، فلو فرضنا أن أحدهما أراد تحريك زيد والآخر تسكينه فإما أن يقع المرادان وهو محال لاستحالة الجمع بين الضدين، أو لا يقع واحد منهما وهو محال؛ لأن المانع من وجود مراد كل واحد منهما حصول مراد الآخر، ولا يمتنع وجود مراد هذا إلا عند وجود مراد الآخر أو بالعكس، فلو لم تنفذ الإِرادتان لزم وجود الفعل بهما وعدم وجوده بهما، وبيان ذلك أن إحدى الإِرادتين إذا لم تنفذ فلم يوجد الفعل بها وجد بالأخرى إذ لا وجود له إلا بأحدهما، لكن الأخرى لم تنفذ أيضًا فيلزم نفوذ الأولى إذ لا مانع لها فيوجد بها، فقد لزم وجود الفعل بهما وعدم وجوده بهما. وأما نقلًا، فلقوله تعالى:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} هو الأول والأخر، والأول هو الفرد السابق وذلك يقتضي أن لا شريك له، وبسط هذا الدليل محله كتب التوحيد.
وقوله:"له المُلك" المُلك بضم الميم يعم وبكسرها يخص؛ فلأجل ذلك قيل الملك بكسر