في رواية أبي هريرة الآتية: فقال عمر: "لِمَ تحتبسونَ عن الصلاةِ؟ " وعند مسلم فعرض عنه عمر فقال: ما بالُ رجال يتأخرونَ بعدَ النداءِ" والذي يظهر أن عمر قال ذلك كله، وحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ الآخر، ومراد عمر التلميح إلى ساعات التبكير التي وقع الترغيب فيها، وأنها إذا انقضت طوت الملائكة الصحف كما يأتي قريبًا، وهذا من أحسن التعريضات وأرشق الكنايات. وفهم عثمان ذلك فبادر إلى الاعتذار عن التأخر.
وقوله: "إني شُغلت" أي: بضم أوله، وقد بيّن جهة شغله في رواية عبد الرحمن بن مهدي حيث قال: "انقلبتُ من السوقِ فسمعتُ النداءَ" والمراد به الأذان بين يدي الخطيب كما مرّ، ويأتي بعد أبواب.
وقوله: "فلم أزد على أن توضأتُ" أي: لم اشتغل بشيء بعد أن سمعت النداء إلا بالوضوء، وهذا يدل على أنه دخل المسجد في ابتداء شروع عمر في الخطبة.
وقوله: "والوضوء" أيضًا فيه إشعار بأنه قبل عذره في ترك التبكير لكنه استنبط منه معنى آخر اتجه له عليه فيه إنكار ثانٍ مضاف إلى الأول، و"الوضوءَ" بالنصب وعليه اقتصر النووي في شرح مسلم، وبالواو عطفًا على الإنكار الأول أي:(والوضوءَ اقتصرت عليه) واخترته دون الغسل أي: أما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغُسل واقتصرت على الوضوء. وقال القرطبي: يجوز الرفع على أنه مبتدأ حذف خبره أي: (والوضوءُ أيضًا يقتصر عليه) أو على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: (كفايتُك الوضوءُ). وقال القرطبي: الواو عوض عن همزة الاستفهام كقراءة ابن كثير. قال فرعون:{وآمَنْتُمْ بِهِ} في الأعراف وتعقبه في المصابيح بأن تخفيف الهمزة بإبدالها واوًا صحيح في الآية لوقوعها مفتوحة بعد ضمة، وأما في الحديث فليس كذلك لوقوعها مفتوحة بعد فتحة فلا وجه لإبدالها فيه واوًا، ولو جعله على حذف الهمزة أي: "أو تخص الوضوء" لجرى على مذهب الأخفش في جواز حذفها قياسًا عند أمن اللبس والقرينة الحالية المقتضية للإنكار شاهدة بذلك، فلا لبس ولأبي ذرٍّ عن الحموي والمستملي قال: "والوضوءَ" وهو بالنصب أيضًا أي: أتتوضأ الوضوء فقط، ويجوز الرفع على نحو ما مرّ قريبًا ونقل البرماوي والزركشي أنه يروى عن ابن السيد بالرفع على لفظ الخبر. والصواب أن "آلوضوء" بالمد على لفظ الاستفهام كقوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} وتعقبه البدر ابن الدماميني بأن نقل كلام ابن السيد بقصد توجيه ما في البخاري به غلط، فإن كلام ابن السيد في حديث "الموطأ" وليس فيه واو إنما هو فقال له عمر: "الوضوء أيضًا". وهذا يمكن فيه المد بجعل همزة الاستفهام داخلة على همزة الوصل.
وأما في حديث البخاري فالواو داخلة على همزة الوصل، فلا يمكن الإتيان بعدها بهمزة الاستفهام. والظاهر أن البدر لم يطلع على رواية الحموي والمستملي السابقة. قال الوضوء بحذف الواو حينئذ، فلا اعتراض.