وقوله:"أيضًا" منصوب على أنه مصدر من آض يئيض أي: عاد ورجع والمعنى ألم يكفك أن فاتك فضل التبكير حتى أضفت إليه ترك الغُسل المرغب إليه. قال في "الفتح": ولم أقف في شيء من الروايات على ما أجاب به عثمان، والظاهر أنه سكت عنه اكتفاء بالاعتذار الأول؛ لأنه قد أشار إلى أنه كان ذاهلًا عن الوقت، وأنه بادر عند سماع النداء وإنما ترك الغُسل؛ لأنه تعارض عنده إدراك سماع الخطبة والاشتغال بالغُسل وكل منهما مرغب فيه فآثر الخطبة ولعله كان يرى فرضيته؛ فلذلك آثره.
وقوله:"كان يأمر بالغُسل" لم يذكر في جميع الروايات المأمور إلا أن في رواية جُويرية عن نافع: "كنّا نُؤْمر". وفي حديث ابن عباس عند الطحاوي في هذه القصة أن عمر قال له:"لقد علم أنّا أُمرنا بالغسلِ قلت: أنتم المهاجرونَ الأولون أم الناس جميعًا؟ قال: لا أدري". رواته ثقات إلا أنه معلول وفي رواية أبي هريرة في هذه القصة أن عمر قال:"ألم تسمعوا أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا راحَ أحدُكم إلى الجمعةِ فليغتسلْ" كذا هو في "الصحيحين". وغيرهما وهو ظاهر في عدم التخصيص بالمهاجرين الأولين.
وفي هذا الحديث من الفوائد القيام في الخطبة وعلى المنبر، وتفقد الإِمام رعيته وأمره لهم بمصالح دينهم، وإنكاره على مَنْ أخل بالفضل وإن كان عظيم المحل ومواجهته بالإنكار ليرتدع من هو دونه بذلك، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أثناء الخطبة لا يفسدها وسقوط منع الكلام عن المخاطب بذلك، وفيه الاعتذار إلى ولاة الأمر وإباحة الشغل والتصرف يوم الجمعة قبل النداء ولو أفضى إلى ترك فضيلة البكور إلى الجمعة؛ لأن عمر لم يأمر برفع السوق بعد هذه القصة واستدل به مالك على أن السوق لا تمنع يوم الجمعة قبل النداء لكونها كانت في زمن عمر، ولكون الذاهب إليها مثل عثمان، وفيه شهود الفضلاء السوق ومعاناة المتجر فيها، وفيه أن فضيلة التوجه إلى الجمعة إنما تحصل قبل التأذين.
وقال عياض: فيه حجة لكون السعي إنما يجب بسماع الأذان، وأن شهود الخطبة لا يجب وهو مقتضى قول أكثر المالكية، وتعقب بأنه لا يلزم من التأخر إلى سماع النداء فوات الخطبة، بل تقدم أن عثمان لم يفته شيء من الخطبة وعلى تقدير أن يكون فاته منها شيء، فليس فيه دليل على أنه لا يجب شهودها على مَنْ تنعقد به الجمعة.
قلت مشهور مذهب مالك أن الجماعة التي تنعقد بها الجمعة لابد من حضورها للخطبتين، واستدل به على أن غسل الجمعة واجب لقطع عمر الخطبة وإنكاره على عثمان تركه وهو متعقب؛ لأنه أنكر عليه ترك السنة المذكور وهي التبكير إلى الجمعة، فيكون الغُسل كذلك، وعلى أن الغُسل ليس شرطًا لصحة الجمعة. وقد مرّ البحث في ذلك في باب (وضوء الصبيان).