لأنه قاصد للوصول لحقه، وإنما الحرج على مَنْ تأخر عن المجيء ثم جاء فتخطى.
وقوله:"فكأنما قرَّب بَدَنَةً" أي: تصدق بها متقربًا إلى الله تعالى. وقيل: المراد أن للمبادرة في أول ساعة نظير ما لصاحب البَدَنة من الثواب ممن شرع له القربان لم يشرع لهذه الأُمة على الكيفية التي كانت للأُمم السالفة. وفي رواية ابن جريج المذكورة "فلهُ من الأجر مثلُ الجزورِ" وظاهره أن المراد أن الأجر لو تجسد لكان قدر الجزور. وقيل: ليس المراِد بالحديث إلاَّ بيان تفاوت المبادرين إلى الجُمُعة، وأن نسبة الثاني من الأول نسبة البقرة إلى البَدَنة في القيمة مثلًا، ويدل عليه أن في مرسل طاووس عند عبد الرزاق "كفضلِ صاحب الجزورِ على صاحب البقرةِ". وفي رواية الزهري الآتية في باب (الاستماع إلى الخطبة) بلفظ: "كمثل الذي يهدي بَدَنَة" فكان المراد بالقربان في رواية الباب الإِهداء إلى الكعبة. قال الطيبي: في لفظ الإِهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة، وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي، والبَدَنة تقال للبعير ذكرًا كان أو انثى، والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث، وكذا في باقي ما ذكر. وحكى ابن التين عن مالك أنه كان يتعجب ممن يخص البَدَنَة بالأُنثى. وقال الأزهري: لا تكون إلا من الإبل، وصح ذلك عن عطاء. وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم هذا لفظه.
وحكى النووي عنه قال: البَدَنَة تكون من الإبل والبقر والغنم، وكأنه خطأ نشأ عن سقط. وفي "الصحاح" البَدَنة ناقة أو بقرة تنحر بمكة سميت بذلك؛ لأنهم كانوا يسمنونها، والمراد بالبَدَنَة هنا الناقة بلا خلاف، واستدل به على أن البَدَنَة تختص بالإبل؛ لأنها قوبلت بالبقرة عند الإطلاق، وقسم الشيء لا يكون قسيمه. وقال إمام الحرمين: البَدَنَة من الإبل، ثم الشرع قد يقيم مقامها البقرة وسبعًا من الغنم، وتظهر ثمرة هذا فيما إذا قال: لله عليّ بدنة، وفيه خلاف الأصح أنه يتعيّن الإبل إن وجدت، وإلا فالبقرة، ثم سبع شياه. وقيل: يتعيّن الإبل مطلقًا، وقيل: يتخير.
وقوله:"فكأنما قرّب دجاجة" بتثليث الدال. وعن محمد بن حبيب أنها بالفتح من الحيوان وبالكسر من الناس، واستشكل التعبير في الدجاجة والبيضة بقوله في رواية الأزهري "كالذي يهدي"؛ إن الهدي لا يكون منهما، وأجاب عياض تبعًا لابن بطال بأنه لما عطفه على ما قبله أعطاه حكمه في اللفظ فيكون من الإتباع: متقلدًا سيفًا ورمحًا. وتعقبه ابن المنير بأن شرط الإتباع لا يصرح باللفظ في الثاني فلا يسوغ أن يقال: متقلدًا سيفًا ومتقلدًا رمحًا، والذي يظهر أنه من باب المشاكلة، وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله: هو من باب تسمية الشيء باسم قرينه. وقال ابن دقيق العيد: قوله: "قرّب بيضة" وفي الرواية الأخرى كالذي يهدي يدل على أن المراد بالتقريب الهدي وينشأ منه أن الهدي يطلق على مثل هذا حتى لو التزم هديًا يكفيه ذلك أولًا. وهو الصحيح عند الشافعية وكذا عند الحنفية والحنابلة. قلت: وكذا المالكية، وهذا ينبني على أن النذر هل يسلك به مسلك جائز الشرع أو واجبه، فعلى الأول يكفي أقل ما يتقرب به، وعلى الثاني يحمل على أقل ما يتقرب به من ذلك الجنس، ويقوي الصحيح أيضًا أن المراد بالهدي هنا التصدق كما يدل عليه