لفظ التقرب، وهذا يجاب به عن الإشكال المتقدم فيكون المراد بالتقرب والهدي التصدق، والتصدق بالدجاجة والبيضة جائز.
وقوله:"حضرتِ الملائكةُ يستمعونَ الذكرَ" استنبط منه الماوردي أن التبكير لا يستحب للإمام قال: ويدخل إلى المسجد من أقرب أبوابه إلى المنبر وما قاله غير ظاهر لإِمكان أن يجمع الأمرين بالتبكير، ولا يخرج من المكان المعد له في الجامع إلا إذا حضر الوقت أو يحمل على مَنْ ليس له مكان معد وزاد في رواية الزهري الآتية "طووا صحفَهم". ولمسلم من طريقه "فإذا جلسَ الإِمامُ طووا الصحفَ، وجاؤوا يستمعون الذكر". وكان ابتداء طي الصحف عند ابتداء خروج الإِمام وانتهاؤه بجلوسه على المنبر وهو أول سماعهم للذكر، والمراد به ما في الخطبة من المواعظ وغيرها، وأول حديث الزهري إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، ونحوه في رواية ابن عجلان عن سمي عند النسائي، وفي رواية العلاء عن أبي هريرة عند ابن خزيمة "على كلِّ بابٍ من أبوابِ المسجدِ ملكانِ يكتبانِ الأولَ فالأولَ"، فكان المراد بقوله في رواية الزهري:"على باب المسجد" جنس الباب، ويكون من مقابلة المجموع بالمجموع، فلا حجة فيه لمن أجاز التعبير عن الاثنين بلفظ الجمع. وأخرج أبو نعيم في "الحلية" عن ابن عمر مرفوعًا صفة الصحف المذكورة بلفظ "إذا كانَ يومُ الجمعةِ بعثَ الله ملائكةً بصحفٍ من نورٍ وأقلامٍ من نورٍ" الحديث، وهو دال على أن الملائكة المذكورين غير الحفظة. والمراد "بطي الصحف" طي صحف الفضائل المتعلقة بالمبادرة إلى الجمعة دون غيرها من سماع الخطبة وإدراك الصلاة والذكر والدعاء والخشوع ونحو ذلك، فإنه يكتبه الحافظان قطعًا.
وفي رواية ابن عُيينة عن الزهري في آخر حديثه المشار إليه عند ابن ماجه "فمَنْ جاءَ بعدَ ذلكَ فإنما يجيِءُ لحقّ الصلاةِ". وفي رواية ابن جريج عن سمي من الزيادة في آخره "ثم إذا استمعَ وأنصتَ غُفَر لهُ ماَ بينَ الخطبتيْنِ وزيادة ثلاثة أيام". وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند ابن خزيمة "فيقول بعضُ الملائكةِ لبعضٍ ما حبسَ فلانًا فتقولُ اللَّهُمَّ إن كانَ ضالًا فاهدهِ وإن كانَ فقيرًا فأغنْهُ، وإن كان مريضًا فعافِهِ".
وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: الحض على الاغتسال يوم الجمعة وفضله، وفضل التبكير إليها أو التهجير عند المالكية، وإن الفضل المذكور إنما يحصل لمن جمعها وعليه يحمل ما أطلق في باقي الروايات من ترتب الفضل على التبكير من غير تقييد بالغُسل. وفيه أن مراتب الناس في الفضل بحسب أعمالهم، وأن القليل من الصدقة غير محتقر في الشرع، وأن التقرب بالإبل أفضل من التقرب بالبقر وهو بالاتفاق في الهدي. واختلف في الضحايا والجمهور على أنها كذلك خلافًا للمالكية القائلين بأن الغنم أفضل في الضحايا. قال الزين بن المنير: فرّق مالك بين التقربين باختلاف المقصودين؛ لأن أصل مشروعية الأضحية التذكير بقصة الذبيح، وهو قد فدي بالغنم والمقصود بالهدي التوسعة على المساكين فناسب البُدْنَ. وأيضًا المقصود من الضحية طيب