ومن المستغربات ما حكاه ابن بشكوال في "المبهمات" أن الداخل المذكور يقال له: "أبو هدبة" فإن كان محفوظًا فلعلها كنية سليك صادفت اسم أبيه.
وقوله:"فقال صليت؟ " كذا للأكثر بحذف همزة الاستفهام، وثبتت في رواية الأصيلي. وقوله:"قم فاركع" زاد المستملي والأصيلي "ركعتين"، وكذا في رواية سفيان في الباب بعد فصل ركعتين. وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب يستحب أن يصلي ركعتين تحية المسجد، ويكره الجلوس قبل أن يصليهما. وذهب مالك وأبو حنيفة والليث والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين وقال الأولون: يندب صلاتهما إلا إذا كان في آخر الخطبة، فلا يصلي لئلا يفوته أول الجمعة قال في "المجموع": إن غلب على ظنه إن صلاّهما فاتته تكبيرة الإحرام مع الإمام لم يصلهما بل يقف حتى تقام الصلاة ولا يقعد، لئلا يكون جالسًا في المسجد قبل التحية. قال ابن الرفعة: ولو صلاّها في هذه الحال استحب للإمام أن يزيد في كلام الخطبة بقدر ما يكمل التحية، فإن لم يفعل ذلك قال في "الأم": كرهته له، فإن صلاّها وقد أقيمت الصلاة كرهت ذلك له، ويخففها وجوبًا ليسمع الخطبة.
قال الزركشي: والمراد بالتخفيف فيما ذكر الاقتصار على الواجبات لا الإسراع. قال: ويدل له ما ذكروه من أنه إذا ضاق الوقت وأراد الوضوء اقتصر على الواجبات. واستدلت الشافعية والحنابلة لما ذهبوا إليه بحديث الباب وبما أخرجه الشيخان عن جابر قال:"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج فليصلِ ركعتين".
ولمسلم عن أبي سفيان عن جابر أنه قال ذلك في قصة سليك ولفظه بعد قوله:"فاركعهما وتجوز فيهما"، ثم قال:"إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإِمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما".
قال النووي: هذا نص لا يتطرق إليه التأويل، ولا أظن عالمًا يبلغه هذا اللفظ ويظنه صحيحًا ويخالفه. وقال ابن أبي جمرة: هذا الحديث لم يقل بتأويله وإنما عمل بمعارضته؛ لكونه أقوى عنده منه فقد تمسك القائلون بالمنع بما قاله ابن العربي قصة سليك ما هو أقوى منها كقوله:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت" متفق عليه.
قال: فإذا امتنع الأمر بالمعروف وهو أمر اللاغي بالإِنصات مع قصر زمنه فمنع التشاغل بالتحية مع طول زمنها أولى، وعارضوا أيضًا بقوله عليه الصلاة والسلام وهو يخطب للذي دخل يتخطى رقاب الناس:"اجلس فقد آذيت" أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة. وغيره عن عبد الله بن بشر قالوا:"فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية". وبما أخرجه الطبراني عن ابن عمر رفعه "إذا دخل أحدكم والإمام على المنبر فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإِمام" وتأولوا حديث سليك بأنه