الإمام اثنا عشر صحت ويتم بهم جمعة إذا بقوا معه إلى السلام بحيث لو انفض منهم واحد قبل السلام بطلت على الجميع إعطاء للدوام حكم الابتداء. وبهذا قال ربيعة وإسحاق بن راهويه مستدلين بحديث الباب، وتعقبه المخالفون بأنها واقعة عين لا عموم فيها، وبأنه يحتمل أنه تمادى حتى عادوا أو عاد من تجزىء بهم إذ لم يرد في الخبر أنه أتم الصلاة، وتحتمل أيضًا أنه أتمها ظهرًا. وأيضًا قد فرق كثير من العلماء بين الابتداء والدوام فيها فقيل إذا انعقدت لم يضر ما طرأ بعد ذلك ولو بقي الإمام وحده.
وقال أبو حنيفة: إذا نفر الناس قبل أن يركع الإِمام ويسجد إلا النساء استقبل الظهر.
وقال صاحباه: إذا نفروا عنه بعدما افتتح الصلاة صلى الجمعة، وإن نفروا عنه بعدما ركع وسجد سجدة بني على الجمعة في قولهم جميعًا خلافًا لزفر فإنه قال يتمها ظهرًا. وقيل تصح إن بقي واحد، وقيل اثنان، وقيل ثلاثة، وقيل إن كان صلى بهم الركعة الأولى صحت لمن بقي، وقيل يتمها ظهرًا مطلقًا وهذا الخلاف كله أقوال مخرجة في مذهب الشافعي إلا الأخير فهو قوله في الجديد، قاله في "الفتح" وقد مرَّ عند الترجمة أن ظاهرها يقتضي أن لا يتقيد الجمع الذي يبقى مع الإِمام بعدد معين.
وقوله في الترجمة:"فصلاة الإمام ومن بقي جائزة يؤخذ منه أنه يرى أن الجميع لو انفضوا في الركعة الأولى ولم يبق إلا الإِمام وحده أنه لا تصح له، وهو كذلك عند الجمهور كما مرّ.
وقوله: "فنزلت هذه الآية" الخ ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العِير المذكورة. والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم.
وعند الشافعي عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا "كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يخطبُ يومَ الجمعةِ وكانتْ لهم سوقٌ كانت بنو سليم يجلبونَ إليها الخيلَ والإبلَ والسمنَ فقدموا، فخرج إليهم الناسُ وتركوهُ وكان لهم لهوٌ يضربونهُ فنزلت". ووصله أبو عوانة في "صحيحه" والطبري بذكر جابر فيه "أنهم كانوا إذا نكحوا تضربُ الجواري بالمزامير، فتشتدُ الناسُ إليهم ويَدَعُون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا فنزلت هذه الآية". وفي مرسل عبد بن حميد "كان رجالٌ يقومونَ إلى نواضحهم وإلى السفر يقدمون يبتغونَ التجارة واللهو" ولا بعد في أن تنزل في الأمرين معًا وأكثر. وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي عن أنس: "بينما نحنُ مع رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يخطبُ يومَ الجمعةِ إذ سمعَ أهلُ المسجدِ صوتَ الطبول والمزاميرِ وكان أهلُ المدينةِ إذا قدمت عليهم العيرُ من الشامِ بالبُرِّ والزبيب استقبلوها فرحًا بالمعازفِ فقدمت عيرٌ لدحيةَ والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يخطبُ فتركوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وخرجوا، فقال النبىُّ عليه الصلاة والسلام - مَنْ هنا؟ فقالوا: أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليُّ وابنُ مسعودٍ وسالمُ مولى أبي حذيفة فإذا اثنا عشر رجلًا وامرأتان، فقال عليه الصلاة والسلام: لو اتبع آخركُم أولكم لاضطرم الوادي عليكم نارًا، ولكن تطول علي فرفعَ العقوبةَ بكمْ عمن خرجَ فنزلتِ الآيةُ".