وقوله:"إذا تَخوف الفوت" بفتح أول تخوف مبنيًا للفاعل، والفوت نصب على المفعولية وضبط بالبناء للمفعول، ورفع الفوت نائبًا عن الفاعل، وزاد المستملي في الوقت وفي رواية الطبري وابن عبد البر عن الأوزاعي قال:"قال شُرَحْبيل بن السمط لأصحابه لا تصلّوا الصبح إلا على ظهر فنزل الأشتر النخعي فصلّى على الأرض. فقال شرحبيل: مخالف الله به".
وأخرجه ابن أبي شيبة عن رجاء بن حيوة قال:"كان ثابت بن السمط في خوف فحضرت الصلاة، فصلوا ركبانًا فنزل الأشتر فقال: مخالف خولف به فلعل ثابتًا كان مع أخيه شرحبيل في ذلك الوجه".
وقد احتج الوليد لمذهب الأوزاعي في مسألة الطالب بهذه القصة، ووجه الاستدلال من القصة بطريق الأولوية؛ لأن الذين أخروا الصلاة حتى وصلوا إلى بني قريظة لم يُعنفوا مع كونهم فوتوا الوقت، فصلاة من لا يفوت الوقت بالإيماء أو كيف ما يمكن أولى من تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها؟
وقال ابن بطال: لو وجد في بعض طرق الحديث أن الذين صلوا في الطريق صلوا ركبانًا، لكان بينا في الاستدلال فإن لم يوجد ذلك فذكر ما حاصله أن وجه الاستدلال يكون بالقياس، فكما ساغ لأولئك أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المفترض كذلك يسوغ للطالب ترك إتمام الأركان والانتقال إلى الإيماء.
قال ابن المنير: والأبين عندي أن وجه الاستدلال من جهة أن الاستعجال المأمور به يقتضي ترك الصلاة أصلًا كما جرى لبعضهم أو الصلاة على الدواب كما وقع للآخرين؛ لأن النزول ينافي مقصود الجد الأصول، فالأولون بنوا على أن النزول معصية لمعارضته للأمر الخاص بالإسراع، وكان تأخيرهم لها لوجود المعارض. والأخرون جمعوا بين دليلي وجوب الإسراع ووجوب الصلاة في وقتها فصلوا ركبانًا. فلو فرضنا أنهم نزلوا، لكان ذلك مضادًا للأمر بالإسراع وهو لا يظن بهم لما فيه من المخالفة وهذا الذي حاوله ابن المنير، قد أشار له ابن بطال بقوله السابق: لو وجد في بعض طرق الحديث الخ، فلم يستحسن الجزم في النقل بالاحتمال.
وأما قوله:"لا تظن بهم المخالفة" فمعترض بمثله بأن يقال لا تظن بهم المخالفة بتغيير هيئة الصلاة من غير توقيف والوجه الأول أولى.
وقد أخرج أبو داود في صلاة الطالب حديث عبد الله بن أنيس "إذ بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى سفيان الهذلي قال فرأيته وحضرت العصر فخشيت فوتها فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء" وإسناده حسن.
وهذا التعليق ذكر هكذا الوليد في كتاب "السير" له، ورواه الطبراني وابن عبد البر من وجه آخر عن الأوزاعي.