وقوله:"عيد" أي: كالنيروز والمهرجان. وفي النسائي وابن حبان بإسناد صحيح عن أنس "قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيرًا منهما يوم الفطر والأضحى".
واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم، وبالغ الشيخ أبو حفص الكبير النسفي من الحنفية فقال من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيمًا لليوم فقد كفر بالله تعالى، واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء وسماعه بآلة وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها "وليستا بمغنيتين" فنفت عنهما عن طريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ؛ لأن الغناء يطلق على رفع الصوت وعلى الترنم الذي تسميه العرب (النَصْب) بفتح النون وسكون المهملة، وعلى (الحداء) ولا يسمى فاعله مغنياً، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسير وتهييج وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش أو تصريح. قال القرطبي قولها "ليستا بمغنيتين" أي: ليستا ممن يعرف الغناء كما يعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به وهو الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر فيه وصف محاسن النساء والخمر وغيرهما من الأمور المحرمة لا يختلف في تحريمه. قال: وأما ما ابتدعته الصوفية من ذلك، فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير حتى لقد ظهرت من كثير منهم فعلات المجانين والصبيان حتى رقصوا بحركات متطابقة وتقطيعات متلاحقة، وانتهى التواقح بقوم منهم إلى أن جعلوها من باب القرب وصالح الأعمال وأن ذلك يثمر سني الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل الخرقة وينبغي أن يعكس مرادهم، ويقرأ سيّء عوض النون الخفيفة المكسورة بغير همز بمثناة تحتانية مكسورة ثقيلة مهموزًا.
وأما ما يسلم من المحرمات، فيجوز القليل منه في الأعياد والأعراس.
قال الماوردي: اختلف العلماء فيه فأباحه قوم مطلقًا، ومنعه قوم مطلقًا، وكرهه مالك والشافعي في أصح القولين، ونقل عن أبي حنيفة المنع، وكذا أكثر الحنابلة ونقل ابن طاهر في كتاب "السماع" الجواز عن كثير من الصحابة، لكن لم يثبت من ذلك شيء إلا في النَصْب المشار إليه أولًا وهو ضرب من النشيد بصوت فيه تمطيط.
قال ابن عبد البر: الغناء الممنوع ما فيه تمطيط وإفساد لوزن الشعر طلبًا للضرب، وخروجًا من مذاهب العرب، وإنما وردت الرخصة في الضرب الأول دون ألحان العجم.
قال الماوردي: هو الذي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه من غير نكير إلا في حالتين: أن يكثر منه جدًا، أو أن يصحبه ما يمنعه منه. واحتج من أباحه بأن فيه ترويحًا للنفس، فإن فعله ليقوى على الطاعة فهو مطيع أو على المعصية فهو عاص، وإلا فهو مثل التنزه في البستان والتفرج على المارة.