قرىء {لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} وفي هذا تعقب على من نقل الاتفاق على منع ضم أوله. وفي هذا الحديث تخصيص أبي بردة بإجزاء الجذع من المعز في الأضحية عنه، لكن وقع في عدة أحاديث التصريح بنظير ذلك لغير أبي بردة ففي حديث عقبة بن عامر المخرج عند المصنف في الضحايا زيادة، ولا رخصة فيها لأحد بعدك.
قال البيهقي:"إن كانت هذه الزيادة محفوظة كان هذا رخصة لعقبة كما رخص لأبي بردة، وفي هذا الجمع نظر؛ لأن في كل منهما صيغة عموم فأيهما تقدم على الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني وأقرب ما يقال فيه إن ذلك صدر لكل منهما في وقت واحد أو تكون خصوصية الأول فسخت بثبوت الخصوصية للثاني، ولا مانع من ذلك؛ لأنه لم يقع في السياق استمرار المنع لغيره صريحًا.
وقد انفصل ابن التين وتبعه القرطبي عن هذا الإشكال باحتمال أن يكون العتود المذكور في حديث عاقبة كان كبير السنن بحيث يجزىء، لكنه قال ذلك بناء على أن الزيادة التي في آخره لم تقع له، لا يتم مراده عمر وجودها مع مصادمته لقول أهل اللغة في العتود، وتمسك بعض المتأخرين بكلام ابن التين فضعف الزيادة وليس بجيد فإنها خارجة من مخرج الصحيح، فإنها عند البيهقي عن عبد الله البوشنجي أحد الأئمة الكبار في الحفظ والفقه وسائر فنون العلم رواها عن يحيى بن بكير عن الليث بالسند الذي شاقه البخاري، ولكن وقع الحديث في المتفق للجوزقي عن يحيى بن بكير، وليست الزيادة فيه فهذا هو السر في قول البيهقي إن كانت محفوظة فكأنه لما رأى التفرد خشي أن يكون دخل على راويها حديث في حديث.
وفي كلام بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة أو خمسة، واستشكل الجمع وليس بمشكل؛ لأن الأحاديث التي ورد فيها ذلك ليس فيها التصريح بالنفي إلا في قصة أبي بردة في "الصحيحين" وفي قصة عاقبة بن عامر في البيهقي، وأما ما عدا ذلك فقد أخرج أبو داود وأحمد، وصححه ابن حبان عن زيد بن خالد "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطاه عتودًا جذعًا فقال ضحِ فقلت: إنه جذعٌ أفأضحي به؟ قال: نعم، ضحِ به. فضحيتُ به" لفظ أحمد وفي صحيح ابن حبان وابن ماجه، عن عويمر بن أشاقر "أنه ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم النحر فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعيدَ أضحية أخرى".
وفي "الطبراني "الأوسط" عن ابن عباس "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى سعد بن أبي وقاص جذعًا من المعز فأمره أن يضحي به".
وأخرجه الحاكم عن عائشة وفي سنده ضعف، ولأبي يعلى والحاكم عن أبي هريرة "أن رجلًا قال يا رسولَ الله هذا جذعٌ مِنَ الضأنِ مهزولٌ، وهذا جذعٌ من المعزِ سمينٌ وهو خيرُهما أفأضحي به؟ قال: ضح به فإنَّ لله الخيرَ"، وفي سنده ضعف والحق أنه لا منافاة بين هذه الأحاديث وبين حديثي أبي بردة وعقبة لاحتمال أن يكون ذلك في ابتداء الأمر، ثم تقرر الشرع بأن الجذع من المعز لا يجزىء، وأختص أبو بردة وعقبة بالرخصة في ذلك وإنما قيل هذا؛ لأن بعض الناس قالوا: إن هؤلاء شاركوا عقبة وأبا بردة في ذلك، إنما وقعت في مطلق الإجزاء لا في خصوص منع الغير، ومنهم من