للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ولا يعكر على ذلك كونها أيام عيد كما روي عن عائشة ولا ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام: "أنها أيام أكل وشرب"، كما رواه مسلم؛ لأن ذلك لا يمنع العمل فيها، بل قد شرع فيها أعلى العبادات وهو ذكر الله تعالى، ولم يمنع فيها منه إلا الصيام.

قال وسرّ كون العبادة فيها أفضل من غيرها أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها وأيام التشريق أيام غفلة في الغالب، فصار للعابد فيها مزيد فضل على العابد في غيرها كمن قام في جوف الليل وأكثر الناس نيام.

وفي أفضلية أيام التشريق نكتة أخرى وهي أنها وقعت فيها محنة الخليل بولده، ثم مَنَّ عليه بالفداء فثبت لها الفضل بذلك، وهو توجيه حسن إلا أن المنقول يخالف والسياق الذي في رواية كريمة شاذ مخالف لما رواه أبو ذر، وهو من الحفاظ عن الكشميهني شيخ كريمة بلفظ "ما العمل في أيام أفضل منه في هذا العشر" وكذا أخرجه أحمد وغيره عن شعبة بالإسناد المذكور، ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن شعبة فقال: "في أيام أفضل منه في عشر ذي الحجة" وكذا رواه الدارمي عن شعبة، وفي رواية وكيع المقدم ذكرها ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، وكذا رواه ابن ماجه عن أبي معاوية عن الأعمش ورواه الترمذي عن أبي معاوية فقال: من هذه الأيام العشر بدون يعني، وقد ظن قوم أن قوله يعني أيام العشر تصير من بعض رواته لكن ما مرّ عن الطيالسي وغيره ظاهر في أنه من نفس الخبر. وكذا في رواية القاسم بن أبي أيوب بلفظ "ما من عمل أزكى عند الله تعالى ولا أعظم أجرًا من خير يعمله في عشر الأضحى".

وفي حديث جابر في "صحيحي" أبي عوانة وابن حبان "ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة" فظهر أن المراد بالأيام في حديث الباب أيام عشر ذي الحجة، لكنه مشكل على ترجمة البخاري بأيام التشريق ويجاب عنه بأجوبة:

أحدها: أن الشيء يشرف بمجاورته للشيء الشريف، وأيام التشريق تقع تلو أيام العشر، وقد ثبتت الفضيلة لأيام العشر بهذا الحديث فثبتت بذلك الفضيلة لأيام التشريق.

ثانيها: أن عشر ذي الحجة إنما شرف لوقوع أعمال الحج فيه، وبقية أعمال الحج تقع في أيام التشريق كالرمي والطواف وغير ذلك من تتماته، فصارت مشتركة معها في أصل الفضل؛ ولذلك اشتركت معها في مشروعية التكبير في كل منها، وبهذا تظهر مناسبة إيراد الآثار المذكورة في صدر الترجمة لحديث ابن عباس.

ثالثها: أن بعض أيام التشريق هو بعض أيام العشر وهو يوم العيد، وكما أنه خاتمة أيام العشر فهو مفتتح أيام التشريق فهي ثبت لأيام العشر من الفضل شاركتها فيه أيام التشريق؛ لأن يوم العيد بعض كل منهما بل هو رأس كل منها وشريفه وعظيمه وهو يوم الحج الأكبر كما يأتي في الحج.

وقوله: "قالوا: ولا الجهاد" في رواية سَلَمَةَ بنِ كُهَيل المذكورة فقال رجل: ولم يوجد في شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>