من الإِنفاق مع ما في الجهاد والنفقة مع النفع المتعدي، وفيه أيضًا تفضيل بعض الأزمنة على بعض كالأمكنة وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة. وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق عملًا من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يومًا منها تعين يوم عرفة؛ لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكور فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعًا بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعًا "خيرُ يوم طلعتْ فيه الشمسُ يومُ الجمعةِ" رواه مسلم قاله النووي.
وقال الداودي لم يرد عليه السلام أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة؛ لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة فيلزم تفضيل الشيء على نفسه وتعقب بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء كان يوم الجمعة أم لا، ويوم الجمعة فيه أفضل من يوم الجمعة في غيره. لاجتماع الفضلين فيه.
واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل، واستشكل بتحريم الصوم يوم العيد.
وأجيب بأنه محمول على الغالب، ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت:"ما رأيت رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- صائمًا العشرَ قط" لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته" كما رواه "الصحيحان" عن عائشة أيضًا والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يتأتى ذلك في غيره وعلى هذا، فهل يختص الفضل بالحاج أو يعم المقيم فيه احتمال.
وقال ابن بطال وغيره: المراد بالعمل في أيام التشريق التكبير فقط؛ لأنه ثبت أنها أيام أكل وشرب وبِعَال وثبت تحريم صومها، وورد فيه إباحة اللهو بالحراب ونحو ذلك، فدل على تفريغها لذلك مع الحض على الذكر أن المشروع منه فيها التكبير فقط، ومن ثم اقتصر المصنف على إيراد الآثار المتعلقة بالتكبير وتعقبه الزين بن المنير بأن العمل إنما يفهم منه عند إطلاق العبادة وهي لا تنافي استيفاء حظ النفس من الأكل وسائر ما ذكر، فإن ذلك لا يستغرق اليوم والليلة.
وقال الكرمانيّ: الحث على العمل في أيام التشريق لا ينحصر في التكبير، بل المتبادر إلى الذهن منه أنه المناسك من الرمي وغيره الذي يجتمع مع الأكل والشرب. قال: مع أنه لو حمل على التكبير وحده لم يبق لقول المصنف بعده باب التكبير أيام (مني) معنى، ويكون تكرارًا محضًا. والذي يجتمع مع الأكل والشرب لكل أحد من العبادة هو الذكر المأمور به. وقد فسر بالتكبير كما قال ابن بطال وأما المناسك فمختصة بالحاج وجزمه بأنه تكرار متعقب؛ لأن الترجمة الأولى لفضل التكبير والثانية لمشروعيته وصفته أو أراد تفسير العمل المجمل في الأولى بالتكبير المصرح في الثانية فلا تكرار. وفي رواية ابن عمر من الزيادة في آخره "أكثروا فيهن من التهليل والتحميد".
وللبيهقي في الشعب عن عدي بن ثابت عن ابن عباس "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير"،