وقوله:"وأخذ بأذني" زاد محمد بن الوليد في روايته "فعرفتُ أنه إنما صنع ذلك ليؤنسني بيدهِ في ظلمة الليل". وفي رواية الضحاك بن عثمان "فجعلتُ إذا أغفيتُ أخذ بشحمة أذني" وفي هذا رد على من زعم أن أخذ الأذن إنما كان في حالة إدارته له من اليسار إلى اليمين متمسكًا برواية سلمة بن كهيل الآتية في التفسير حيث "قال: فأخذ بأذني فأدارني عن يمينه" لكن لا يلزم من إدارته على هذه الضفة أن لا يعود إلى مسك أذنه لما ذكره من تأنيسه وإيقاظه؛ لأن حاله كانت تقتضي ذلك لصغر سنه.
وقوله:"فصلّى ركعتين ثم ركعتين" الخ كذا في هذه الرواية" وظاهره أنه فصل بين كل ركعتين، ووقع التصريح بذلك في رواية طلحة بن نافع حيث قال فيها "يسلِّمُ مِنْ كلِّ ركعتين". ولمسلم عن علي بن عبد الله بن عباس التصريح بذكر الركعتين ست مرات.
ثم قال: "ثم أوتر" ومقتضاه أنه صلّى ثلاث عشرة ركعة، وصرح بذلك في رواية سلمة الآتية في "الدعوات" حيث قال:"فتتامت". ولمسلم "فتكاملتْ صلاتُه ثلاثَ عشرةَ ركعة" وفي رواية محمد بن الوليد المذكورة مثله وزاد وركعتين بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح، وهي موافقة لرواية الباب, لأنه قال بعد قوله: "ثم أوترَ فقامَ فصلَّى ركعتين" فاتفق هؤلاء على الثلاث عشرة، وصرح بعضهم بأن ركعتي الفجر من غيرهما، لكن رواية شريك بن أبي نمر الآتية في التفسير عن كريب تخالف ذلك ولفظه: "فصلّى إحدى عشرة ركعة ثم أذَّنَ بلالٌ فصلّى ركعتين ثم خرجَ" فهذا ما في رواية كريب من الاختلاف. وقد عرف أن الأكثر خالفوا شريكًا فيها وروايتهم مقدمة على روايته لما معهم من الزيادة؟ ولكونهم أحفظ منه، وقد حمل بعضهم هذه الزيادة على سنة العشاء ولا يخفى بعده ولاسيما في رواية مخرمة في حديث الباب إلا إن حمل على أنه أخر سنة العشاء حتى استيقظ لكن يعكر عليه رواية المنهال الآتية قريبًا. وقد اختلف على سعيد بن جبير أيضًا ففي التفسير عن شعبة عن الحكم عنه "فصلى أربع ركعاتٍ ثم نامَ ثم صلى خمسَ ركعاتٍ".
وقد حمل محمد بن نصر هذه الأربعة على أنها سنة العشاء، لكونها وقعت قبل النوم، لكن يعكر عليه ما رواه هو عن المنهال بن عمرو عن علي بن عبد الله بن عباس فإن فيه "فصلى العشاءَ ثم صلّى بعدَه أربعَ ركعاتٍ حتى لم يبق في المسجدِ غيرهُ ثم انصرف" فإنه يقتضي أن يكون صلّى الأربع في المسجد لا في البيت. ورواية سعيد بن جبير أيضًا تقتضي الاقتصار على خمس ركعات بعد النوم، وفيه نظر، وقد رواها أبو داود من وجه آخر عن الحكم وفيه "فيصلي سبعًا أو خمسًا أوتَر بهن لم يسلِّمْ إلا في آخرهن".
وقد ظهر من رواية أخرى عن سعيد بن جبير ما يرفع هذا الإشكال ويوضح أن رواية الحاكم وقع فيها تقصير، فعند النسائي عن يحيى بن عباد عن سعيد بن جبير "فصلّى ركعتين ركعتين حتى صلّى ثمانِ ركعاتٍ ثم أوتَر بخمس لم يجلس بينهن". فبهذا يجمع بين رواية سعيد ورواية كريب.