للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحواسه كحسن الصورة، أو بفعله، إما لذاته كالفضل والكمال، وإما لإِحسانه كجلب نفع ودفع ضُرٍّ، والمراد بالميل هُنا الاختياري دون الطّبيعيّ والقَسْريّ، والمُراد أيضًا أن يُحِبّ أن يَحْصُل لأخيه نظير ما يحصُلُ له، سواء كان في الأمور المحسوسة أو المعنوية، وليس المراد أن يَحْصُلَ لأخيه ما حصل له، لا مع سلبه عنه، ولا مع بقائه بعينه له، إذ قيام الجوهر أو العَرَض بمحلين مُحال.

وقال أبو الزِّناد بن السَّرّاج: ظاهر هذا الحديث طلب المساواة، وحقيقته تستلزم التفضيل، لأن كل أحد يُحِبُّ أن يكون أفضل من غيره، فإذا أحب لأخيه مثله، فقد دخل في جملة المفضولين.

وقال في "الفتح": في هذا نظر، لأن المراد الزَّجر عن هذه الإِرادة، إذ المقصود الحث على التواضع، فلا يُحِبُّ أن يكون أفضل من غيره، فهو مستلزم للمساواة، ويستفاد ذلك من قوله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} [القصص: ٨٣] ولا يَتِمُّ ذلك إلا بترك الحسد والغِلِّ والَغِشِّ والحقد، وكلها خِصال مذمومة، ومن الإِيمان أيضًا أن يُبْغِض لأخيه ما يُبْغِض لنفسه من الشر، ولم يذكره لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء، ويحتمل أن يكون قوله: "أخيه" شاملًا للذِّمِّي أيضًا، بأن يحب له الإِسلام مثلًا، ويؤيده حديث أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: "مَنْ يأخُذُ عني هؤلاء الكلماتِ فَيَعملَ بِهِنَّ، أو يُعَلِّمَ من يعملُ بهن" فقال أبو هريرة، قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي، فعد خمسًا، قال: "اتَّقِ المحارِمَ تكن أعبدَ النّاس، وارضَ بما قَسَمَ الله لك تَكُن أغنى الناس، وأحْسِنْ إلى جارِك تكن مؤمنًا، وأحِبَّ للناس ما تُحِبُّ لنفسك تكن مسلمًا" الحديث. رواه التِّرمذي وغيره من رواية الحسن، عن أبي هُريرة، لكن الحسن قال عن الترمذيِّ: إنه لم يَسْمعَ من أبي هُريرة، ورواه البَزّار والبَيْهَقيُّ بنحوه في الزُّهد عن مَكْحول

<<  <  ج: ص:  >  >>