قلت: هذا الأخير هو مشهور مذهب مالك. وسؤال عمران عن الرجل خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، بل الرجل والمرأة في ذلك سواء.
وقوله:"ومَنْ صلى قاعدًا فَلهُ نِصفُ أجر القائم". يستثنى من عمومه النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن صلاته قاعدًا لا ينقص أجرها عن صلاته قائمًا، لحديث عبد الله بن عمرو قال: بلغني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"صلاةُ الرجل قاعدًا على نصف الصلاة". فأتيته فوجدته يصلي جالسًا فوضعت يدي على رأسي، فقال: ما لك يا عبد الله فأخبرته فقال: "أجل ولكني لست كأحدٍ منكم". أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في خطابه، وهو الصحيح، وقد عدّ الشافعية هذه المسألة في خصائصه -صلى الله عليه وسلم-.
وقال عياض في الكلام على تنفل -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا. قد علله في حديث عبد الله بن عمرو بقوله:"لست كأحدٍ منكم"، فيكون هذا مما خُصَّ به. قال: ولعله أشار بذلك إلى مَنْ لا عذر له، فكأنه قال: إني ذو عذرٍ، ولم يبين في الحديث كيفية القعود، فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي، وهو قضية كلام الشافعي في البويطي. وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة متربعًا، وقيل يجلس مفترشًا، وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني، وصححه الرافعي ومَنْ تبعه، وقيل متوركًا وبه قال اللخمي من المالكية، واستدلت الحنفية بالحديث على جواز صلاة النفل قاعدًا مع القدرة على القيام، وحملوا الحديث على صلاة التطوع، كما مرّ عن غيرهم.
قال صاحب الهداية، وتصلى النافلة قاعدًا مع القدرة على القيام لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاةُ القاعدِ على النصفِ من صلاةِ القَائم". وقوله:"ومن صَلّى نائمًا فلة نِصفُ أجرِ القاعد" بالنون يعني مضطجعًا على هيئة النائم، كما يدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الآتي في الباب التالي، فإن لم يستطع، فعلى جنب.
وترجم النسائي باب صلاة النائم، ويدل عليه أيضًا ما رواه أحمد في منده عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين. قال: كنت رجلًا ذا أسقام كثيرة، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صلاتي قاعدًا فقال:"صلاتُك قاعدًا على النّصف من صلاتِك قائمًا وصلاة الرجل مُضطجعًا على النصف من صَلاتِه قاعدًا". وهذا يفسر أن معنى قوله:"نائمًا" بالنون يعني: مضطجعًا، وأنه في حق مَنْ به سقم بدلالة قوله: كنت رجلًا ذا أسقام كثيرة، وإنّ ثواب مَنْ يصلي قاعدًا نصف ثواب مَنْ يصلي قائمًا، وثواب مَنْ يصلي مضطجعًا نصف ثواب مَنْ يصلي قاعدًا، وادّعى ابن بطال أن الرواية مَنْ صلّى بإيماء على إنه جار ومجرور مصدر أو ما قال. وقد غلط النسائي في حديث عمران بن حصين، فصحفه وترجم له باب صلاة النائم، فظن أن قوله -عليه الصلاة والسلام- مَنْ صلّى بإيماء أنه مَنْ صلّى نائمًا. والغلط فيه ظاهر؛ لأنه قد ثبت عنه أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر المصلي إذا غلبه النوم أن