للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله تعالى عليه وسلم محبة إحسان، وقد ينتهي المحب في المحبة إلى أن يؤثر هوى المحبوب على هوى نفسه، فضلًا عن ولده، بل يحب أعداء نفسه لمشابهتهم محبوبه، قال:

أشْبَهْتَ أعْدائي فَصِرْتُ أُحِبُّهُم ... إذْ صَارَ حظّي مِنك حَظّي مِنهُمُ

والمراد بالحب هنا حب الاختيار المستند إلى الإِيمان، لا حُب الطبع، فمعناه: لا يؤمن حتى يؤثر رضايَ على رضى الوالدين, وإن كان فيه هلاكهما.

وقال النَّوَويّ: فيه تلميح إلى قضية النفس الأمارة والمطمئنة، فمن رَجَّحَ جانب المطمئنة كان حبه للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم راجحًا، ومن رَجَّحَ جَانب الأمارة كان حكمه بالعكس، وإنما وَجَبَ أن يكون عليه الصلاة والسلام أحبَّ إلى الإِنسان من غيره, لأن محبوب الإِنسان إما نفسه وإما غيره، أما نَفْسه فهو أن يريدَ دوام بقائها سالمة من الآفات، هذا هو حقيقة المطلوب، وأما غيره، فإذا حقق الأمر فيه فإنما هو بسبب تحصيل نفع ما على وجوهه المختلفة حالًا ومآلًا، فإذا تأمَّل النَّفْعَ الحاصل له من جهة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الذي أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإِيمان، إما بالمباشرة وإما بالسبب، علم أنه سبب بقاء نفعه البقاء الأبدي في النعيم السَّرمدي، وعلم أن نفعه بذلك أعظم من جميع وجوه الانتفاعات، فاستحق لذلك أن يكون حظه من محبته أوفر من غيره، لأن النفع المثير للمحبة حاصل منه أكثر من غيره، ولكن الناس يتفاوتون في ذلك بحسب استحضار ذلك والغفلة عنه، ولا شك أن حظ الصحابة رضي الله تعالى عنهم من هذا المعنى أتم, لأن هذا ثمرة المعرفة، وهم بقدره ومنزلته أعلم.

وقال القُرْطُبِيّ: كل من آمن بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم إيمانًا صحيحًا لا يخلو عن وجدانه شيء من تلك المحبة الراجحة، غير أنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>