والإعلام:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} أي: أعلم به الروح الأمين محمدًا -صلى الله عليه وسلم-.
وبمعنى القول:{سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} أي: سأقول مثل ما قال.
والإِقبال على الشيء، وذلك مستعمل في كلامهم، جار في عرفهم، يقولون: نزل فلان من مكارم الأخلاق إلى دَنيّها، ونزل قدر فلان عند فلان، إذا انخفض.
وبمَعنى نزول الحكم، من ذلك قولهم: كنا في خيرٍ وعدلٍ حتى نزل بنا بنو فلان، أي حَكَم.
وذلك كله متعارف عند أهل اللغة، وإذا كانت مشتركة في المعنى وجب حمل ما وصف به الرب، جل جلاله، من النزول على ما يليق به من بعض هذه المعاني، وهي إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستيقاظ بالتذكير والتنبيه، الذي يلقى في القلوب، والزواجر التي تزعجهم إلى الإقبال على الطاعة، وقد بسطت القول في النزول في كتابي "استحالة المعية بالذات، وما يضاهيها من متشابه الصفات".
وقوله: حين يبقى ثلث الليل الآخر، برفع الآخر؛ لأنه صفة الثلث، ولم تختلف الروايات عن الزهريّ في تعيين الوقت، واختلفت عن أبي هريرة وغيره، قال الترمذيّ: رواية أبي هريرة أصح الروايات في ذلك، ويقوّي ذلك أن الروايات المخالفة لها اختلف فيها على رواتها، وسلك بعضهم طريق الجمع، وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء:
أولها: هذه، ثلث الليل الآخر، وهي أصحها، وإنما خص الثلث الأخير لأنه وقت التهجد، وغفلة الناس، عمن يتعرض لنفحات رحمة الله، وعند ذلك تكون النية خالصةً، والرغبة إلى الله تعالى وافرة، وذلك مظنة القبول والإجابة.
ثانيها: إذا مضى الثلث الأول
ثالثها: الثلث الأول، أو النصف.
رابعها: النصف.
خامسها: النصف أو الثلث.
سادسها: الإِطلاق.
فأما الروايات المطلقة، فهي محمولة على المقيدة، وأما التي بأو، فإن كانت "أو" للشك، فالمجزوم به مقدم على المشكوك فيه، وإن كانت للتردد بين حالين، فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يقع بحسب اختلاف الأحوال، لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الآفاق، باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم، وتأخره عند قوم. وقال بعضهم: يحمل على أن ذلك يقع في جميِع الأوقات التي وردت بها الأخبار، ويحمل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به، ثم أعلم به في وقت آخر، فأخبر به، فنقل الصحابة ذلك عنه.