للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: مَنْ يدعوني إلخ، لم تختلف الروايات عن الزهريّ في الاقتصار على الثلاثة المذكورة، وهي الدعاء والسؤال والاستغفار، وهي إما بمعنى واحد، فذكرها للتوكيد، أو الفرق بينها أن المطلوب إما لدفع المضار أو جلب المسارّ، والثاني إما دنيويّ أو دينيّ، ففي الاستغفار إشارة إلى الأول، وفي السؤال إشارة إلى الثاني، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث. وقال الكرمانيّ: الدعاء ما لا طلب فيه نحو: يالله، والسؤال الطلب، وزاد سعيد عن أبي هريرة: "هل من تائب فأتوب عليه" وزاد أبو جعفر عنه: "مَنْ ذا الذي يسترزقني فأرزقه، مَنْ ذا الذي يستكشف التفسير فأكشف عنه" وزاد عطاء مولى أم صبَيَّة عنه: "ألا سقيم يستشفي فيشفى" ومعانيها داخلة فيما تقدم. وزاد سعيد بن مَرْجانة عنه "مَنْ يقرض غير عدم ولا ظلوم" وفيه تحريض على عمل الطاعة، وإشارة إلى جزيل الثواب عليها. وزاد حجّاج بن مَنيع عن جده عن الزهريّ عند الدارقطنيّ، في آخر الحديث: "حتى الفجر" وفي رواية أبي سَلَمة عند مسلم: "حتى ينفجر الفجر"، وفي رواية عن أبي سَلَمة: "حتى يطلع الفجر". واتفق معظم الروايات على هذا، إلا أن في رواية نافع بن جبير عن أبي هريرة عند النَّسَائيّ: "حتى ترجل الشمس"، وهي شاذة، وزاد يونس عن الزهريّ في آخره أيضًا: "ولذلك كانوا يفضلون صلاة آخر الليل على أوله" أخرجها الدارقطنيّ. وله عن ابن سَمْعان عن الزُّهريّ ما يشير إلى أن قائل ذلك هو الزهريّ، وبهذه الزيادة تظهر مناسبة ذكر الصلاة في الترجمة، ومناسبة الترجمة التي بعد هذه لهذه.

وقوله: "فأستجيب لها" بالنصب على جواب الاستفهام، وبالرفع على الاستئناف، أي: فأنا أستجيب له، وكذا قوله: "فأعطيه وأغفر له"، وقد قرىء بهما في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} الآية، وليست السين في قوله تعالى: {فأستجيب} للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب، وإنما خص الله تعالى هذا الوقت بالتنزل الإلاهي، والتفضل على عباده، بإجابة دعائهم وإعطائهم سؤلهم؛ لأنه وقت غفلة، واستغراق في النوم، واستلذاذ به، ومفارقة اللذة والدعة صعب، لاسيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، وكذا أهل التعب، ولاسيما في قصر الليل، فمن آثر القيام لمناجاة ربه، والتضرع إليه مع ذلك، دل على خلوص نيته، وصحة رغبته فيما عند ربه تعالى.

وفي الحديث تفضيل صلاة آخر الليل على أوله، وأن آخر الليل أفضل للدعاء، يشهد له قوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} وروى مُحَارب بن دِثَار عن عمه أنه كان يأتي المسجد في السَحر، ويمر بدار ابن مسعود، فسمعه يقول: "اللهم إنك أمرتني فأطعت، ودعوتني فأجبت، وهذا سحر فاغفر لي" فسئل ابن مسعود عن ذلك، فقال: إن يعقوب عليه الصلاة والسلام أخر الدعاء لبنيه إلى السَحر، فقال: سوف أستغفر لكم. وروي أن داود عليه الصلاة والسلام، سأل جبريل عليه الصلاة والسلام: أي الليل أسمع؟ فقال: لا أدري، غير أن العرش يهتز في السَحر. وقد مرّ لك في باب "مَنْ نام عند السَحر" ما قدمناه من الاستشكال، في كون نوم السَحر أفضل للقائم ليله

<<  <  ج: ص:  >  >>