فثبت الله ما آتاك من حسن ... تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا
فأقبل بوجهه مبتسماً وقال: وأنت فَثَبَّتَكَ الله يا أبا رواحة. قال هشام بن عروة: فثبته الله أحسن ثبات. قتل شهيدًا وفتحت له الجنة ودخلها. وفي رواية ابن هشام:
إني تفرست فيك خير نافلةٍ ... فِراسةً خالفتْ فيك الذي نظروا
أنت النبي ومن يحرم نوافله ... والوجه منه فقد أزرى به القدر
وأخرج أبو يعلى بسند صحيح عن أنس قال: دخل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مكة في عمرة القضاء، وابن رواحة بين يديه وهو يقول:
خَلُّوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله
ضربًا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر: يا ابن رواحة، حَرَمُ اللهِ، وبين يدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، تقول هذا الشعر؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "خل عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده، لكلامه أشد عليهم من وقع النبلْ"، وقصته مع زوجته مشهورة، وذلك أنه مشى ليلة إلى أمة له فنالها، وفطنت له امرأته فلامته فجحدها، وكانت قد رأت جماعه لها فقالت: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن، فإن الجُنُب لا يقرأ القرآن، فقال:
شَهدِتُ بأنّ وعدالله حقٌ ... وأنّ النار مثوى الكافرين
وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمين
وتحمله ملائكة غلاظ ... ملائكة الإله المكرمين
فقالت: صدق الله وكذبت عيني. وكانت لا تحفظ القرآن. وفي "الفتح" أن الأبيات التي تلاها عليها هي المذكورة في الحديث، وزاد أنه أعلم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، فضحك حتى بدت نواجده. وذكر ابن إسحاق عن عُروة بن الزبير قال: لما تودع عبد الله بن رواحة في حين خروجه إلى مؤتة دعا له المسلمون ولمن معه أن يردهم الله سالمين، فقال ابن رواحة:
لكنني أسال الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة ... مروية تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مرّوا على جدثي ... يا أرشد الناس من غازٍ وقد رشدا
وذكر عبد الرزاق أنه قال يوم مؤتة يخاطب نفسه:
ما لي أراك تكرهين الجنة ... وقبل ذا ما كنت تَكْرَهِنَّه
هل أنت إلا نطفة في شَنَّه ... أقسمت بالله لتنزِلِنَّه
طوعًا إليها أو لَتُكْرَهنَّه
ثم قال: