أطلب منك أن تقدره لي، والمراد بالتقدير التيسير، وقوله:"وأسألك من فضلك العظيم" إشارة إلى أن إعطاء الرب فضل منه، وليس لأحد عليه حق في نعمه، فكلما يهب زيادة مبتدأة من عنده لم يقابلها منا عوض، فيما مضى، ولا يقابلها فيما يستقبل، فإن وفق للشكر والحمد، فهو فضل منه ونعمة يفتقر إلى حمدٍ وشكر، وهكذا إلى غير نهاية خلاف ما تعتقده المبتدعة، حيث يقولون: إنه واجب على الله تعالى أن يبتدىء العبد بالنعمة، وقد خلق له القدرة، وهي باقية فيه دائمة يعصي ويطيع.
وقوله:"فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم" إشارة إلى أن العلم والقدرة لله وحده، وليس للعبد من ذلك إلا ما قدر الله له، وكأنه قال: أنت يا رب تقدر قبل أن تخلق فيَّ القدرة، وعندما تخلقها فيَّ، وبعدما تخلقها. فدلّ على أن العبد لا يكون قادرًا إلاّ بالفعل لا قبله، كما يقول القدرية. وقال ابن بطال: القوة والقدرة من صفات الذات، والقوة والقدرة بمعنىً واحدٍ مترادفان، فالباري تعالى لم يزل قادرًا قويًا ذا قدرة وقوة. وذكر الأشعري أن القدرة والقوة والاستطاعة اسم، ولا يجوز أن يوصف بأنه مستطيع لعدم التوقيف بذلك. وإن كان قد جاء القرآن بالاستطاعة، فقال: هل يستطيع ربك؟ وإنما هو خبر عنهم ولا يقتضي إثبات صفة له.
وقوله:"وأنت علّام الغيوب" المعنى: أنا أطلب مستأنَفًا لا يعلمه إلا أنت. وقوله:"اللَّهمَّ إن كنت تعلم أن هذا الأمر" في رواية معن وغيره "فإن كنت تعلم هذا الأمر" زاد أبو داود "والذي يريد" وفي رواية معن "ثم يسميه بعينه" وقد ذكر ذلك في آخر الحديث في الباب. وظاهر سياقه أن ينطق به، ويحتمل أن يكتفي باستحضاره بقلبه عند الدعاء، وعلى الأول تكون التسمية بعد الدعاء. وعلى الثاني تكون الجملة حالية، والتقدير: فليدع مسميًا حاجته.
وقوله:"إن كنت" استشكل الكرمانيّ الإتيان بصيغة الشك هنا ولا يجوز الشك في كون الله عالمًا، وأجاب بأن الشك في أن العلم متعلق بالخير والشر، لا في أصل العلم. وقوله:"ومعاشي" زاد أبو داود "ومعادي" وهو يؤيد أن المراد بالمعاش الحياة، ويحتمل أن يريد بالمعاش ما يعاش فيه، ولذلك في بعض طرق حديث ابن مسعود عند الطبرانيّ في الأوسط "في ديني ودنياي"، وفي حديث أبي أيوب عند الطبرانيّ "في دنياي وآخرتي"، زاد ابن حِبّان "وديني". وفي حديث أبي سعيد "في ديني ومعيشتي".
وقوله:"وعاقبة أمري" أو قال: "في عاجل أمري وآجله" هو شك من الرواي، ولم تختلف الطرق في ذلك، واقتصر في حديث أبي سعيد على "عاقبة أمري" وكذا في حديث ابن مسعود، وهو يؤيد أحد الاحتمالين في أن العاجل والآجل مذكوران بدل الألفاظ الثلاثة، أو بدل الأخيرين فقط. ولهذا قال الكرمانيّ: لا يكون الداعي جازمًا بما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن يدعو ثلاث مرات، يقول مرة:"في ديني ومعاشي وعاقبة أمري"، ومرة:"في عاجل أمري وآجله"، ومرة:"في ديني وعاجل أمري وآجله". ولم يقع الشك في حديث أبي أيوب. ولا أبي هريرة أصلًا.