للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن حِبّان عن عطاء عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة صلاة في هذا"، وفي رواية ابن حِبّان: "وصلاة في ذلك أفضل من مئة صلاة في مسجد المدينة".

قال ابن عبد البَرّ: اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه، ومن رفعه أحفظ وأثبت، ومثله لا يقال بالرأي، وفي ابن ماجه عن جابر مرفوعًا: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلاَّ المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه" وفي بعض النسخ: "من مئة صلاة فيما سواه"، فعلى الأول معناه فيما سواه إلاّ مسجد المدينة، وعلى الثاني معناه من مئة صلاة في مسجد المدينة.

ورجال إسناده ثقاتٌ، لكنه من رواية عطاء في ذلك عنه قال ابن عبد البر: جائز أن يكون عند عطاء في ذلك عنهما، وعلى ذلك يحمله أهل العلم بالحديث، ويؤيده أن عطاء إمام واسع الرواية عن جابر وابن الزبير. وروى البزّار والطبرانيّ عن أبي الدرداء، رفعه "الصلاة في المسجد الحرام بمئة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمس مئة صلاة. قال البزّار: إسناده حسن، فوضح بذلك أن المراد بالاستثناء تفضيل المسجد الحرام، وهو يرد على تأويل عبد الله بن نافع وغيره. وروى ابن عبد البَرّ عن يحيى بن يحيى اللَّيْثيّ أنه سأل عبد الله بن نافع عن تأويل هذا الحديث، فقال: معناه فإن الصلاة في مسجدي أفضل من الصلاة فيه بدون ألف، قال ابن عبد البر: لفظ "دون" يشمل الواحد، فيلزم أن تكون الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاة في مسجد مكة بتسع مئة وتسع وتسعين، وحسبك بقول يؤول إلى هذا ضعفًا.

قلت: ما قاله لا يبطل التأويل، فكما أن الدون يشمل الواحد، فكذلك يشمل النصف والثلث والربع وغير ذلك، فتكون أفضل من مكة بدون ألف بخمس مئة أو ثلاث مئة أو بمئة أو مئتين، وإنما ذكر الواحد الذي هو أقل العدد ليحصل الاستبشاع، ولو استلزمناه وقلنا إنها أفضل منها بالعدد المذكور، ما يلزم على ذلك من المحذور. واستدل بهذه الأحاديث على تفضيل مكة على المدينة، لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة، وهو قول الجمهور، وحُكِيَ عن مالك، وبه قال ابن وهب ومطرف وابن حبيب من أصحابه، لكن المشهور عن مالك، وهو مذهب عمر بن الخطاب وبعض الصحابة وأكثر المدنيين، وهو أحد الروايتين عن أحمد.

واستدل ابن عبد البر على تفضيل مكة على المدينة بحديث عبد الله بن عديّ بن الحمراء قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واقفًا على الخَزْوَرَة فقال: "والله إنك لخيرُ أرْضِ الله، وأحبّ أرضِ الله إلى الله. ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت" وهو حديث صحيح، أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمِذِيّ وابن خُزيمة وابن حِبّان وغيرهم. قال ابن عبد البر: هذا نص في محل الخلاف،

<<  <  ج: ص:  >  >>