للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العصيانين مستقل باستلزام الغِواية إذ العطفُ في تقدير التكرير، والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم، ويشير إليه قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] فأعاد أطيعوا في الرسول ولم يُعده في أولي الأمر, لأنهم لا استقلال لهم في الطاعة، كاستقلال الرسول.

قلت: عندي في هذه التفرقة نظر, لأن طاعة الرسول لا استقلال لها أيضًا دون طاعة الله تعالى، الَّلهم إلا أن يقال: إن طاعته طاعة لله تعالى، لقوله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٠] ولا كذلك طاعة أولي الأمر، فقد لا تكون طاعة للرسول عليه الصلاة والسلام، لعدم عصمتهم، ولكن على هذا أيضًا لا توجد مستقلة، فتأمل، ومن الأجوبة أيضًا أن الجمع من خصائصه عليه الصلاة والسلام، فيمتنع من غيره، لأن غيره إذا اجَمَع أوهَم التسوية، بخلافه هو عليه الصلاة والسلام، فإن مَنْصِبه لا يتطرق إليه إيهام ذلك، ومنها أجوبة أخرى.

قوله: "وأن يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّه إلا لله" حقيقة الحب في الله أن لا يزيد بالبر، ولا ينقُص بالجفاء، كما قاله يحيى بن مُعاذ.

وقوله: "وأن يكره أن يعودَ في الكُفْر" زاد أبو نُعيم في "المستخرج" بعد: "إذْ أنْقَذَهُ الله مِنه" وكذا هو في طريق أخرى للمصنف، والإنقاذ أعم من أن يكون بالعصمة منه ابتداء بأن يولد على الإِسلام ويستمر، أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإِيمان, كما وقع للصحابة، وعلى الأول يحمل قوله: "يعود" على معنى الصيرورة كما في قوله تعالى: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} [الأعراف: ٨٨] بخلاف الثاني، فإن العود فيه على ظاهره، وإنما عَدّى العَوْد بفي ولم يُعَدِّه بإلى لأنه ضمنه معنى الاستقرار، فكأنه قال: يستقر فيه، على حد قوله تعالى: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا} [الأعراف: ٨٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>