للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واجتناب المعاصي، والرضى بما قدره الله تعالى، فمن وَقَعَ في معصية من فعل محرم أو ترك واجب فلتقصيره في المحبتين، حيث قَدَّمَ هوى نفسه، والتقصير يكون مع الاسترسال في المباحات، والاستكثار منها، فيورث الغفلة المقتضية للتوسع في الرجاء، فيقدم على المعصية، أو تستمر الغفلة فيقع، وهذا الثاني يُسْرِع إلى الإِقلاع مع الندم، وإلى الثاني يشير حديث: "لا يَزْني الزْاني حينَ يَزْني وهُو مؤمن" والندب أن يواظب على النوافل، ويتجنب الوقوع في الشبهات، والمتصف بذلك نادر، ويزاد في محبة الرسول عليه الصلاة والسلام أن لا يَتَلَقّى شيئًا من المأمورات والمنهيات إلا من مشكاته، ولا يَسْلُك إلا طريقه، ويرضى بما شرعه، حتى لا يَجِدَ في نفسه حرجًا مما قضاه، ويتخلق بأخلاقه في الجود والإِيثار والحلم والتواضع وغيرهما، فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإِيمان، وتتفاوت مراتب المؤمنين بحسب ذلك.

وقوله: "مما سواهما" إنما قال: مما, ولم يقل: ممن لِيَعُمَّ من يعقل ومن لا يعقل، وفيه دليل على أن لا بأس بهذه التثنية، وأما قوله للذي خطب حيث قال: ومن يعصِهما فقد غوى: "بئس الخطيب أنت" فليس من هذا لأن المراد في الخطب الإِيضاح، وأما هُنا فالمراد الإِيجاز في اللفظ لِيُحْفَظَ، ويَدُلُّ عليه ما في سنن أبي داود من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في موضع آخر: "ومن يعصِهما فلا يَضُرُّ إلا نفسه" واعترض هذا الجواب بأن هذا الحديث إنما ورد في خطبة النكاح، وأجيب بأن المقصود في خطبة النكاح أيضًا الإِيجاز، فلا نقض، ومن محاسن الأجوبة في الجمع بين حديث الباب وقصة الخطيب أنَّ تثنية الضمير هنا للإِيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين، لا كل واحدة منهما، فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى، فمن يدعي حب الله مثلا ولا يُحِبُّ رسوله لا ينفعه ذلك، ويشير إليه قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] فأوقع متابعة مكتنفة بين قطري محبة العباد ومحبة الله تعالى للعباد، وأما أمر الخطيب بالإِفراد فلأن كل واحد

<<  <  ج: ص:  >  >>