فإسقاطها هو الوجه. قال في "الفتح": الرواية بإثبات الواو ثابتة، وهي ترجح التفسير بالموت، وهو أولى من تغليط الثقة. واستدل به على أن هذا الرد خاص بالكفار، فلا يجزيء في الرد على المسلم. وقيل: إن أجاب بالواو أجزأ، وإلا فلا. قال ابن دقيق العيد: التحقيق أنه كاف في حصول معنى السلام، لا في امتثال الأمر في قوله {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}، وكأنه أراد الذي بغير واو.
وأما الذي بالواو، فقد ورد في عدة أحاديث منها في الطبرانيّ، عن ابن عباس "جاء رجل إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: سلام عليكم، فقال: وعليكم ورحمة الله". وله في الأوسط عن سلمان "أتى رجل فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليك". قال في الفتح. لكن لما اشتهرت هذه الصيغة للرد على غير المسلم، فينبغي ترك جواب المسلم بها، وإن كانت مجزئة في أصل الرد.
وما لم يذكر هنا من مباحث السلام، ابتداءًا وردًا، قد استُوفي الكلام عليه في باب إطعام الطعام من الإِسلام من كتاب الإيمان.
وقوله في السابع من المأمورات "وتشميت العاطس" يعني أنه مأمور به، قال ابن دقيق العيد: ظاهر الأمر الوجوب، ويؤيده قوله في حديث أبي هُريرة التالي له "حق المسلم على المسلم خمس. الخ" وفي حديثه عند المصنف في كتاب الأدب "فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته" وفي حديثه عند مسلم "حق المسلم على المسلم ست" فذكر فيها "وإذا عطس فحمد الله فَشَمَّته" وللبخاريّ من وجه آخر عن أبي هُريرة "خمس تجب للمسلم على المسلم". فيذكر منها التشميت، وهو عند مسلم أيضًا. وفي حديث عائشة عند أحمد وأبي يَعلى "إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل من عنده يرحمك الله" ونحوه عند الطبرانيّ من حديث أبي مالك، وقد أخذ بظاهرها ابن مزين من المالكية، وقال به جمهور أهل الظاهر.
وقال ابن أبي جَمْرة: قال جماعة من علمائنا: إنه فرض عين، وقواه ابن القيم، فقال: جاء بلفظ الوجوب الصريح، وبلفظ الحق الدال عليه، وبلفظ على الظاهرة فيه، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه، وبقول الصحابيّ:"أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال" ولا ريب أن الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرة بدون مجموع هذه الأشياء، وذهب آخرون إلى أنه فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ورجحه أبو الوليد بن رشد وأبو بكر بن العربي، وقال به الحنفية، وجمهور الحنابلة، وذهب عبد الوهاب وجماعة من المالكية إلى أنه مستحب، ويجزىء الواحد عن الجماعة، وهو قول الشافعية، والراجح من حيث الدليل القولُ الثاني. والأحاديث الصحيحة الدالة على الوجوب لا تنافي كونه على الكفاية، فإن الأمر بتشميت العاطس، وإن ورد في عموم المكلفين، ففرض كفاية يخاطب به الجميع على الأصح، ويسقط بفعل البعض. وأما من قال إنه فرض على مبهم، فإنه