والتشميت يقال بالمعجمة والمهملة، قال ابن الأنباري: كل داع بالخير مشمت بالمعجمة والمهملة، والعرب كثيرًا تجعل الشين والسين في اللفظ الواحد بمعنى. وقال أبو عُبيد: التشميت بالمعجمة أعلى وأكثر، وقال عياض: هو كذلك للأكثر من أهل العربية. وفي الرواية، وقال ثعلب: الاختيار أنه بالمهملة؛ لأنه مأخوذ من السمت، وهو القصد والطريق القويم. وأشار ابن دقيق العيد إلى ترجيحه، وقال القزاز: التشميت التبريك، والعرب تقول: شمته إذا دعا له بالبركة، وشمت عليه إذا برَّك عليه، وفي حديث قصة تزويج عليّ بفاطمة "شمَّت عليهما" أي: دعا لهما بالبركة.
ونقل ابن التين أن التسميت، بالمهملة، أفصحُ. وهو من سَمَتِ الإبلَ في المرعى إذا جُمعت، فمعناه على هذا جمع الله شملك. وتعقبه بأنْ سمت الإبل، إنما بالمعجمة، ونقله غير واحد أنه بالمعجمة. وقيل: هو بالمعجمة من الشماتة، وهو فرح الشخص بما يسوء عدوه، فكأنه دعا له أن لا يكون في حال من يُشمت به، أو أنه، إذا حمد الله، أدخل على الشيطان ما يسوؤه، فَشَمِتَ هو بالشيطان. وقيل: هو من الشوامت، جمع شامتة، وهي القائمة، يقال: لا ترك الله له شامتة، أي: قائمة.
وقال ابن العربي في شرح الترمذي: تكلم أهل اللغة على اشتقاق اللفظين، ولم يبينوا المعنى فيه، وهو بديع، وذلك أن العاطس ينحل كل عضو في رأسه، وما يتصل به من العنق ونحوه، فكأنه إذا قيل له: رحمك الله، كان معناه: أعطاك الله رحمةً يرجع بها بذلك إلى حالة قبل العطاس، ويقيم على حاله من غير تغيير، فإن كان التسميت بالمهملة، فمعناه رجع كل عضو إلى سمته الذي كان عليه، وإن كان بالمعجمة، فمعناه: صان الله شوامته، أي: قوائمه التي بها قوام بدنه، عن خروجها عن الاعتدال. قال: وشوامت كل شيء قوائمه التي بها قوامه، فقدام الدابة بسلامة قوائمها التي ينتفع بها إذا سَلِمت، وقوام الآدميّ بسلامة قوائمه التي بها قوامه، وهي رأسه وما يتصل به من عنق وصدر.
وظاهر حديث الباب أن كل عاطس يُشَمَّت على التعميم، حَمِد الله تعالى أو لم يحمده، والحق ما في حديث أبي هُريرة في كتاب الأدب وغيره، من أنه لا يشمت له حتى يحمد الله، ولفظ أبي هُريرة "فإذا عطس فحمد الله، فحقَّ على كل مسلم سمعه أن يشمته" وأخرج في كتاب الأدب أيضًا عن أنس قال "عطس رجلان عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الرجل: يا رسول الله، شمَّت هذا ولم تشمتني، فقال: إن هذا حمد الله ولم تحمد الله". وأخرجه مسلم عن أبي موسى بلفظ "إذا عطس أحدكم فحمد الله، فشمَّتوه، وإن لم يحمد الله فلا تشمتوه".