قال النووي: مقتضى هذا الحديث، بل منطوقه، أن من لم يحمد الله لم يشمت، وهل النهي فيه للتحريم أو للتنزيه؟ الجمهور على الثاني. قال: وأقل الحمد والتشميت أنْ يسمع صاحبه. ويؤخذ منه إذا أتى بلفظ آخر غير الحمد لا يُشَمَّت. وقد أخرج أبو داود والنَّسائي وغيرهما، عن سالم بن عُبيد الأشجعيّ قال:"عطس رجل فقال: السلام عليكم، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: عليك وعلى أمك، وقال: إذا عطس أحدكم فليحمد الله" واستدل به على أنه يشرع التشميت لمن حمد، إذا عرف السامع أنه حمد الله، وإن لم يسمعه، كما لو سمع العطسة ولم يسمع الحمد، وسمع من شمت ذلك العاطس، فإنه يشرع له التشميت، لعموم الأمر به لمن عطس فحمد.
قال النوويّ: المختار أنه يُشَمِّته من سمعه دون غيره، وحكى ابن العربى اختلافًا فيه، ورجح أنه يشمته، ونقله ابن بطّال وغيره عن مالك، واستثنى ابن دَقيق العِيد من علم أنَّ الذين عند العاطس جهلة لا يفرقون بين تشميت من حمد وبين من لم يحمد، والتشميت متوقف على من علم أنه حمد، فيمتنع تشميت هذا ولو شمته من عنده، لأنه لا يعلم هل حمد أو لا، فإن عطس وحمد، ولم يشمته أحد، فسمعه من بَعُد عنه، استحب له أنْ يشمته حين يسمعه.
وقد أخرج ابن عبد البَرّ بسند جيد عن أبي داود صاحب السنن، أنه كان في سفينة، فسمع عاطسًا على الشطَّ حمد، فاكترى قاربًا بدرهم، حتى جاء إلى العاطس فشمَته، ثم رجع، فسئل عن ذلك فقال: لعله يكون مجابَ الدعوة، فلما رقدوا، سمعوا قائلًا يقول: يا أهل السفينة، إن أبا داود اشترى الجنة من الله بدرهم.
قال النوويّ: ويستحب لمن حضر من عطس ولم يحمد أنْ يذكره بالحمد، ليحمد فيشمته. وقد ثبت ذلك عن إبراهيم النخعي، وهو من باب النصيحة والأمر بالمعروف. وزعم ابن العربيّ أنه جَهْلٌ من فاعله. قال: وأخطأ فيما زعم، بل الصواب استحبابه، واحتج ابن العربيّ لقوله بأنه إذا نبهه ألزم نفسه ما لم يلزمها. قال: فلو جمع بينهما، فقال: الحمد لله، يرحمك الله، جمع جهالتين؛ ما ذكرناه أولًا، وإيقاعه التشميت قبل وجود الحمد من العاطس.
وحكى ابن بطال عن بعض أهل العلم، وحكى غيره -إنه الأوزاعيُّ- أن رجلًا عطس عنده فلم يحمد، فقال له: كيف يقول من عطس؟ قال: الحمد لله، قال: يرحمك الله. وكأن ابن العربيّ أخذ بظاهر حديث أنس السابق، لأنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يذكر الذي عطس، فلم يحمد، لكن قد قيل: إنه لم يكن مسلمًا، فلعل تَرْكَ ذلك لذلك، لكن يحتمل أن يكون كما أشار إليه ابن بطال، أراد تأديبه على ترك الحمد بترك تشميته، ثم عرَّفه الحُكْم، وأن الذي يترك الحمد لا يستحق التشميت. وهذا الذي فهمه أبو موسى الأشعريّ، ففعل بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، مثلَ ما فعل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ شمَّت من حمد، ولم يشمت من لم يحمد، كما ساق حديثه مسلم.