في رواية ابن عُيينة عند البخاريّ ولا مسلم، وإنما هي في متن الطريق الآخر، وفائدةُ إيراد هذه الطريق الأخيرة عن أبي هريرة، أيضًا، ما في سياقها من العموم في قوله:"لا يموت لمسلم .. " الخ، لشموله النساء والرجال، بخلاف روايته الماضية، فإنها مقيدة بالنساء.
وقوله: فيلجَ النار، بالنصب؛ لأنّ الفعل المضارع ينصب بعد النفي بتقدير أنْ، لكن حكى الطيبيّ أن شرطه أن يكون بين ما قبل الفاء وما بعدها سببية، ولا سببية هنا، إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد ولا عدمه سببًا لولوج من وَلَدهم النار، قال: وإنما الفاء بمعنى الواو التي للجمع، وتقريره لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من ولده، وولوجه النار لا محيد عن ذلك، إن كانت الرواية بالنصب، وهذا قد تلقَّاه جماعة عن الطيبيّ، وأقروه عليه، وفيه نظر لأنّ السببية حاصلة بالنظر إلى الاستثناء؛ لأنّ الاستثناء بعد النفي إثبات، فكان المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد، وهو ظاهر لأنّ الولوج عام، تخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد بشرطه، وما ادعاه من أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر وفي شرح "المشارق" للشيخ أكمل الدين، المعنى أن الفعل الثاني لم يحصل عقب الأول، فكأنه نفى وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقب الأول، لأنّ المقصود نفي الولوج عقب الموت، قال الطيبيّ: وإن كانت الرواية بالرفع، فمعناه لا يوجد ولوج النار عقب موت الأولاد إلا مقدارًا يسيرًا. وفي رواية مالك عن الزهريّ في الإِيمان والنذور بلفظ "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسُّه النار إلا تحلة القسم".
وقوله: تمسُّه بالرفع جزمًا، وقوله: إلا تحلة القسم، بفتح المثناة وكسر المهملة وتشديد اللام، أي ما ينحل به القسم، وهو اليمين، وهو مصدر حَلَّلَ اليمينِ، أي: كفَّرها يقال حلل تحليلًا. وتَحِلَّةَ وتَحلَّلًا بغير هاء، وهو شاذ، وقال أهل اللغة يقال فَعَلْتُه تحِلَّة القسم، أي: قدر ما حللت به يميني، ولم أبالغ. وقال الخطابي: حللت القسم تحلة أي: أبرزتها. وقال القرطبيّ اختلف في المراد بهذا القسم فقيل: هو مُعين وقيل غير معين، والجمهور على الأول، وقيل لم يعني به قسم بعينه، وإنما معناه التقليل لأمر ورودها، وهذا اللفظ يستعمل في هذا تقول: لا ينام هذا إلا لتحليل الألِيَّة. وتقول ما ضربته إلا تحليلًا إذا لم تبالغ في الضرب، أي: قدرًا يصيبه منه مكروه. وقيل الاستثنا بمعنى الواو، أي: لا تمسه النار قليلًا ولا كثيرًا، ولا تحلة القسم.
وقد جوز الفراء والأخفش مجيء إلا بمعنى الواو، وجعلوا منه قوله تعالى: {لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} قال الخطابيّ: لا يدخل النار ليعاقب بها، ولكنه يدخلها مجتازًا، ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يحلل به الرجل يمينه، ويدل على ذلك ما عند عبد الرزاق عن الزهريّ في آخر هذا الحديث "إلا تحلة القسم" يعني الورود، وفي سنن سعيد بن منصور عن سُفيان بن عُيَينة في آخره، ثم قرأ:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، ومن طريق زمعة بن صالح عن الزهريّ في آخره قيل: وما تحلة القسم؟ قال قوله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وفي رواية كريمة قال أبو عبد الله: