وإن منكم إلا واردها، وحكاه عبد الملك بن حبيب عن مالك في تفسير هذا الحديث، وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاريّ مرفوعًا "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، لم يرد النار إلا عابر سبيل" يعني الجواز على الصراط.
وجاء مثله في حديث آخر أخرجه الطبرانيّ عن سهل بن معاذ بن أنس الجهنيّ عن أبيه، مرفوعًا "من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعًا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله عَزَّ وَجَلَّ قال وإن منكم إلا واردها" واختلف في موضع القسم من الآية، فقيل: هو مقدر أي، والله إن منكم، وقيل معطوف على القسم الماضي في قوله تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أيْ وربك إن منكم، وقيل هو مستفاد من قوله تعالى:{حَتْمًا مَقْضِيًّا} أي: قسمًا واجبًا. كذا رواه الطبرانيّ عن مُرة عن ابن مسعود، وعن ابن أبي نجيح عن مُجاهد، وعن سعيد عن قتادة في تفسير هذه الآية.
وقال الطيبيّ: يحتمل أن يراد بالقسم ما دَل على القطع والبت من السياق، فإن قوله:{كَانَ عَلَى رَبِّكَ} تقدير وتذييل لقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ} فهذا بمنزلة القسم، بل أبلغ، لمجيء الاستثناء بالنفي والإِثبات.
وقد اختلف في المراد بالورود في الآية، فقيل: هو الدخول، روى عبد الرزاق عن عمرو بن دينار: أخبرني من سمع من ابن عباس: فذكره، وروى أحمد والنسائي والحاكم عن جابر، مرفوعًا "الورود الدخول، ولا يبقى بَرٌّ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا" ورواه ابن أبي شيبة أيضًا، وزاد "كما كانت على إبراهيم، حتى أن للنار أو لجهنم ضجيجٌ من بردهم، ثم ينجي الذين اتَّقَوا، ويذر الظالمين فيها جثيًا".
وروى التِّرمذيّ وابن أبي حاتم عن السَّديّ "سمعت مُرَّة يحدث عن ابن مسعود قال: يردونها أو يلجونها، ثم يصدرون عنها بأعمالهم" قال عبد الرحمن بن مَهْديّ: قلت لشعبة: إن إسرائيل يرفعه، قال: صدق، وعمَدَا أدعه. وقيل: المراد بالورود الممر عليها. رواه الطبريّ عن أبي هريرة، وعن عبد الله بن مسعود، وعن قتاد وعن كعب الأحبار، وزاد "يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي منادٍ: امسكي أصحابك، ودعي أصحابي" فيخرج المؤمنون أندية أبدانهم، وهذان القولان أصح ما ورد في ذلك، ولا تنافي بينهما، لأنّ من عَبّر بالدخول، تجوَّز به عن المرور. ووجهه أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم، فأعلاهم درجة من يمر كلمع البرق، وقد مرَّ تفصيل ذلك مستوفى في "باب فضل السجود" من صفة الصلاة.
ويؤيد هذا التأويل ما رواه مسلم عن أم مُبَشِّر، أن حفصة قالت للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لما قال لها:"لا يدخل أحد شهد الحُديْبية النار": أليس الله يقول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال لها: أليس الله