للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعصوني" وهو موافق للآية.

وقوله: "في معروف" المعروف هو ما عُرِف من الشارع حسنُه نهيًا وأمرًا، والتقييد بالمعروف مع أن الرسول لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق، وقيل: قُيِّد به تطييبًا لخاطرهم، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا به، وقال النَّوَوِيّ: يحتمل أن يكون المعنى: ولا تعصوني ولا أحَدًا ولي الأمر عليكم في معروف، فيكون التقييد بالمعروف متعلقًا بشيء بعده، وخُصَّ ما ذكر من المناهي بالذكر دون غيره للاهتمام به، وإذا قيل: لِمَ اقتصر على المنهيات ولم يذكر المأمورات؟ فالجواب أنه لم يُهملها، بل ذكرها على طريق الإِجمال في قوله: "ولا تعصوا" إذ العصيانُ مخالفة الأمر، والحكمة في التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات أن الكف أيسر من إنشاء الفعل، ولأن اجتناب المفاسد مقدَّمٌ على اجتلاب المصالح، والتخلّي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل.

وقوله: "فمن وَفَّى منكم" بالتخفيف والتشديد وهما بمعنى، أي: ثبت على العهد.

وقوله: "فأجره على الله" أي: فضلًا ووعدًا أطلق هذا على سبيل التفخيم، لأنه لما ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الأجر في موضع أحدهما وفي رواية الصُّنابِحِيّ في "الصحيحين" الإِفصاح بتعيين العوض، فيقال: "بالجنة" وعبر هنا بلفظ على للمبالغة في تحقيق وقوعه كالواجبات، ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شيء، وسيأتي في حديث معاذ تفسير حق العباد على الله إذا أطاعوه بأنه لا يُعذِّبهم، والمراد بالحق في الحديث المذكور: المتحقق الثابت الذي لا يجوز عليه الكذب، ولا الخلف في الوعد، فإنه سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر، إذ لا آمر فوقه، ولا حكم للعقل، لأنه كاشف لا موجب، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق القول في هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>