بعبادة الأوثان، واتخاذ القبور مساجد، فلما استحكم الإِسلام وقوي في قلوب الناس، وأمِنَتْ عبادةُ القبور والصلاة إليها نُسخ النهيُ عن زيارتها, لأنها تذكر الآخرة، وتزهد في الدنيا.
وعن طاوس "كانوا يستحبون أن لا ينفرقوا عن الميت سبعة أيام, لأنهم يفتنون ويحاسبون في قبورهم سبعة أيام" والحاصل أن زيارة النساء للقبور مكروهة، بل حرام في هذا الزمان، ولاسيما نساء مصر, لأن خروجهن على وجه فيه الفساد والفتنة، وإنما رخصت الزيارة لتذكر أمر الآخرة، وللاعتبار بمن مضى، وللتزهيد في الدنيا، قاله العيني.
قلت: يا ليت الأمر بقي على ما كان في زمنه، فاليوم صار محل القبور هو محل الزنى والشرب وجميع الفواحش. قال القسطلاني: ولا تكره لهن زيارة قبره عليه الصلاة والسلام، بل تندب، وينبغي كما قال ابن الرّفعَة والقموليّ أن تكون سائر قبور الأنبياء والأولياء كذلك، قلت: هذا مقيد بما إذا لم يحصل في الزيارة شيء من المفاسد وإلاّ حَرُم قطعًا.
وقال ابن المنير: قدم المصنف ترجمة زيارة القبور على غيرها من أحكام تشييع الجنازة وما بعد ذلك، مما يتقدم الزيارة, لأن الزيارة يتكرر وقوعها، فجعلها أصلًا ومفتاحًا لتلك الأحكام. وأشار أيضًا إلى أن مناسبةَ ترجمة زيارة القبور تناسبُ اتّباع النساء الجنائز، فكأنه أراد حصر الأحكام المتعلقة بخروج النساء متوالية.
رجاله أربعة:
قد مرّوا، مرَّ آدم وشعبة في الثالث من الإيمان, ومرَّ أنس في السادس منه، مرَّ ثابت البنانيّ في تعليق بعد الخامس من العلم، أخرجه البخاريّ أيضًا في الجنائز وفي الأحكام، ومسلم وأبو داود والتِّرْمذِيّ في الجنائز، والنسائيّ فيها وفي اليوم واليلة.
ولم يُعرف اسم المرأة الباكية، ولا اسم صاحب القبر، ولا اسم القائل لها، وفي رواية أنس أن القائل لها الفضلُ بن ميّاس، وقد مرَّ في الثامن عشر من الجماعة. ثم قال المصنف: