فافعله، وإنْ كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، ووالله ما أكلوا منها تمرة بذلك في الجاهلية، فكيف اليوم وقد هدانا الله بك، وأكرمنا وأيّد؟ فوالله لا نعطيهم إلا السيف، فَسُر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقولهما، وقال لهما:"إنما هو رأي أعرضه عليكم" وأرسل إلى عُيينة بن حِصن: "ليس بيننا وبينكم إلا السيف"، ورفع بها صوته.
وكانت راية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يوم الفتح، بيد سعد بن عبادة، فمر بأُبيّ، فقال سعد إذ نظر إليه: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل فيه الحرمة، اليوم أذل الله فيه قريشًا، فلما أقبل عليه رسول الله ناداه: يا رسول الله، أمرت بقتل قومك، فإن سعدًا زعم حين مرَّ بنا، هو ومن معه، أنه قاتلُنا، وقال: اليوم يوم الملحمة .. الخ، وإني أنشدك الله في قومك، وأنت أبر الناس وأرحمهم وأوصلهم.
وقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ما نأمن سعدًا أنْ تكون له صولة في قريش، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا أبا سفيان: اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشًا، وأنشده ضرار بن الخطاب قصيدته:
يا نبيّ الهُدى إليك لجى جـ ... ـثى قريش، ولات حين لحاءِ
إلى أن قال:
إنّ سعدًا يريد قاصمة الظهر ... بأهل الحَجون والبطحاءِ
فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بنزعها منه، وجعلها في يد ولده قيس، ورأى أنها لم تخرج منه، إذ صارت لابنه.
وقصته في تخلفه عن بيعة أبي بكر مشهورة، وخرج إلى الشام، ومات بحوران سنة خمس عشرة، وقيل سنة ست عشرة، وقبره ببُصرى، وقيل قبره بالنيحة، قرية بدمشق بالغوطة، وقيل إنه مات في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة، ولم يختلفوا أنه وُجد ميتًا في مغتسله، وقد اخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلًا يقول، ولا يرون أحدًا:
قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عباده
رميناه بسهميـ ... ـن فلم نخط فؤاده
ويقال إن الجن قتلته.
له أحاديث، روى عنه بنوه قيس وسعيد وإسحاق، وروى عنه ابن عباس وأمامة بن سهل.